لا تحتاج النسخة السادسة من "كايروكي إمباير" أي مبالغة للترويج لها، فإذا سارت كل الأمور على ما يرام ستكون بالتأكيد حفلة أسطورية، بالنظر إلى إقامتها في ستاد القاهرة بسعته الضخمة (75 ألف متفرج)، وقيمته التاريخية، وما يحمله من ذكريات. هذا الصرح الذي -باستثناء الحفلات المتعلقة بالأحداث الكروية- لم يستضف أي حفلات فردية كبرى باستثناء حفلة سميرة سعيد عام 2011.
هكذا، تتعاظم التوقعات للحفل الذي سيقام يوم 28 يونيو القادم، خاصة مع الإعلان عن أسعار تذاكر في المتناول (الفئة الأخيرة بسعر 500 جنيهًا أي 10 دولارات)، والذي قد يمثل محطة فارقة في مسيرة الفرقة التي بدأت بالأداء أمام جمهور محدود في الكافيهات والمسارح الصغيرة.
لكن كيف استطاعت كايروكي تحقيق هذا الإنجاز؟
مهارة التقاط اللحظة
أسست كايروكي مشروعها على الرصد الذكي لحساسية الشارع تجاه قضايا بعينها، ومن خلال ذلك الترمومتر استطاعوا تسيير إصداراتهم الموسيقية المتتابعة. فإذا كانت يناير 2011 هي اللحظة التي أعطت قبلة الحياة للموسيقى المستقلة، فإن كايروكي (تأسست عام 2003) كانت من أوائل المستثمرين لتلك الفرصة لتقديم أنفسهم فنيًا. لم يكن الفريق ليحصل على مساحة على محطات الراديو الخاصة التجارية مثل نجوم إف إم بإصدارات مثل "كل الناس" (2008) أو "حلمي أنا" (2009)، لكن "صوت الحرية" و"يا الميدان" بمشاركة عايدة الأيوبي، حققتا الظهور اللازم للفرقة ورسختا صورتها كفرقة مستقلية جماهيرية. خاصة مع ما تلاها من ألبومات مثل "مطلوب زعيم" و"وأنا مع نفسي قاعد" في 2012، التي حوت أغاني بانحيازات واضحة للجمهور المتعطش مثل "اثبت مكانك"، و"احنا الشعب"، و"الملك"، و"مطلوب زعيم".
كذلك جمعت بوصلتهم بين التراث الشعبي والموسيقى الشعبية، فتعاونوا مع عبد الباسط حمودة في "غريب في بلاد غريبة" (2012)، واستعادوا الأشعار التراثية الشعبية في قصائد أحمد فؤاد نجم في أغنيتي "طلع الصباح" و"الخط ده خطي" في سياق ألبوم مثَّل محاولتهم الأولى لتقديم خلطة "الروك-شعبي"، بعناوين تعبر عن حالة اجتماعية اقتصادية عامة تقف عند لحظة توتر وغضب، مثل "السكة شمال" (2014).
تلا خبطة "السكة شمال في شمال واليمين اختفى" ألبومان مثلَّا ذروة نضج أعمال كايروكي: "ناس وناس" (2015) و"نقطة بيضا" (2017)، حيث نجحا في ضبط "التون الشعبي"، بنبرة زاعقة أقل، وتعاونات مميزة مع طارق الشيخ في "الكيف"، ووائل الفشني في "عم غريب"، مع استمرار الأغاني الراصدة للوضع الاجتماعي مثل "الديناصور" و"التلفزيون". في تلك السنين وجدت الفرقة الخلطة التي تدفع قطاعًا كبيرًا من الجمهور للتماهي معها والانجذاب إلى أغانيها.
Cairokee feat. Tarek El-Sheikh - Fix / كايروكي مع النجم طارق الشيخ - الكيف
كايروكي في كل مكان
منذ 2011 سعت كايروكي إلى التواجد في كل مكان. غنت في ميدان التحرير، وأمام قصر الاتحادية. شاركت في حفلات Red Bull Soundclash، خرجت من القاهرة إلى المحافظات، ومن مصر إلى أمريكا وأوروبا. شاركت في موسم الرياض (2022) والجوي أواردز (2013) ضمن فاعليات أخرى. وفي 2018 أسست البراند الخاص بها: "كايروكي إمباير"، وكانت النسخة الأولى في "كايرو فستيفال سيتي مول" في القاهرة الجديدة. وفي السياق، أعادت تعريف تجربة الحفلات في مصر من خلال الإنتاج الذاتي، الذي أتاح لهم تقديم تصورات لتقنيات عالية وهوية بصرية قوية من الديكور إلى الأزياء وحتى الإعلانات. في النسخة الأخيرة من "كايرو إمباير"، التي أقيمت على يومين في "المنارة أرينا" بالقاهرة الجديدة في يوليو الماضي، كل مرة أمام 30 ألف متفرج، فتحت كايروكي الباب لأكثر من 100 ألف مشاهد أونلاين للمرة الأولى في تاريخ الحفلات في مصر والشرق الأوسط، مع تفعيل خدمة التحكم في وضع الكاميرا لمشاهدة الحفل من زوايا ولقطات مختلفة.
وبعيدًا عن الحفلات، تمتلك الفرقة رصيدًا كبيرًا من الإعلانات التجارية. رآهم الناس وسمعوا موسيقاهم في حملات لشركات اتصالات، ونقل تشاركي، وشركة صناعات غذائية، وغيرها.
فقدان للبوصلة؟
غير أن التألق على المسرح لا يُعد -في حد ذاته- دليلًا على التطور الفني، لأن الكثير من قوائم الحفلات تعتمد على أغاني أعجبت الجمهور وتعلق بها. ولعل ما شهدته كايروكي في آخر ألبومين خير دليل على ذلك. فألبوم "أبناء البطة السودا (2018) و"روما" (2023) مثلا انسحابًا من المساحات التي طالما حرص مشروع الفرقة على تغطيتها، أمام معالجة أزمات نفسية ووجودية، بدت متماسكة في الألبوم الأول بأغانٍ مثل "هاتلنا بالباقي لبان" و"كان لك معايا"، لكنها انهارت تمامًا في الألبوم التالي الذي خرج عن طابعهم الموسيقي وتوليفتهم المميزة بين الروك والشعبي، وبدا مثل محاولة باهتة للاستعادة النوستالجيَّة، تبتعد عن الواقع الذي انتمت إليه الفرقة منذ 2011. وبينما لا يمكن إنكار تألق أغاني مثل "بسرح واتوه" و"جيمس دين"، و"تارانتينو" مع مروان بابلو، نظل نشعر وكأنها صعدت على أكتاف مسيرة كايروكي لا العكس، حملها الفريق ولم تحمله هي.
وماذا بعد حفل الستاد؟
حفل ستاد القاهرة فرصة لعودة قوية للفرقة التي تتمتع بشعبية واسعة. فرصة لاستعادة وهجها أمام عدد قد يكون قياسيًا من الجمهور، بعد أن خفتت مسيرتهم منذ عام 2017، خاصة مع بروز مسيرة منفردة متألقة لأمير عيد، مغني الفرقة الرئيسي، في التمثيل والغناء، والتي كانت أبرز معالمها إصدار أول ألبوماته، "روكسي"، وأدواره في مسلسل "ريفو" بجزئيه، ومسلسل "دواعي السفر".
قدرة كايروكي على ملء ستاد القاهرة تبدو مؤكدة، وقدرتهم على الاستمرار في الحفلات حتى اعتزالهم ليست محل شك. لكن قد يكون السؤال الأهم هو ما الذي ينتظر الفريق بعد هذه الحفلة التي قد تنقلهم من قمة مشهد "الإندي" إلى التيار الرئيسي للموسيقى المصرية؟ كيف سيتعاملون مع تحديات الوضع الجديد؟ وهل سيسعون إلى الانطلاق في مساحات جديدة وتحقيق تأثير أوسع؟