شهدت الأيام الماضية تطورات لافتة في مشهد الهيب هوب المغربي، خصوصًا على مستوى الـ"بيفات" بين عدد من الثنائيات، حيث برزت عداوات جديدة، وأُعيد فتح ملفات قديمة لتعود معها الصراعات إلى الواجهة. كان أسبوعًا حافلًا بالإصدارات التي تنوعت في أساليب الأداء والكلمات والإنتاج الموسيقي، ما جعل المتابعين يترقبون بحماسة ما هو آتٍ، لاسيما بعد أن رفع الجميع سقف المنافسة وصعّدوا حدّة المواجهة، حتى بات التراجع في هذه المرحلة أشبه بالهزيمة.
"الأولى حذرية" تستفز سمول إكس فيزيد العيار، وشاو يدخل على الخط
تحول الجدل العنيف بين الثنائي حول توظيف موسيقى الراي داخل تراكات الهيب هوب المغربي إلى بيف موسيقي صريح. البداية كانت مع سمول إكس الذي وجّه بارات هجومية إلى أحد الرابرز من الجيل الجديد دون أن يسميه، وذلك في تراك "Dikec #1". شاو التقط التحدي ورد عليه بدس تراك "الأولى حذرية"، واصفًا إياه بالكبير في السن والمخرف، ومحذرًا إياه من مغبة التصعيد.
لم يتأخر سمول إكس طويلًا، فعاد بدس تراك "Dikec #2" الذي قدّم فيه هجومًا لاذعًا بأسلوب ساخر وكاريكاتوري. سخر من طريقة شاو الغنائية، واعتبر سرده لتجربة الهجرة إلى فرنسا محاولة مصطنعة لاختلاق معاناة، ونعته بـ"المتفرنج" أكثر من كونه صاحب هوية مزدوجة. التراك تميز بنبرة غاضبة وأداء متحفّز، واحتوى على لمسات فنية مثل مؤثرات صوتية تحاكي أصوات الزومبي في ألعاب الفيديو الشهيرة مثل Call of Duty وWorld War II، إضافة إلى إدخال أصوات أدوات حادة كالمناشير، كناية عن عملية "تشريح" ذهنية لخصمه. واختتم التراك بعينة من مقدمة أغنية الراي الشهيرة للشاب بلال "دَوروا" التي يتحدث فيها بفخر عن تاريخه وتاريخ مجموعته.
بعد أسبوعين، جاء رد شاو عبر دس تراك "Mikec"، حيث تبنّى استراتيجية فضح الخصم وتسليطه الضوء على تناقضاته وسقطاته، واضعًا سمول إكس أمام مرآة نفسه. اتهمه بمخالفة مبادئه في بعض التراكات، وكشف أنه طلب من الرابر دراغانوف أداء كوبليه في تراك "عدابي" بحثًا عن الانتشار، كما اتهمه بالتهرب سابقًا من مواجهة الدون بيغ، مشيرًا إلى أن دراغانوف تعالَى عن الرد عليه وترك الساحة لشاو ليقلب الطاولة في مواجهته.
شاو عزز هجومه بعرض مقاطع يظهر فيها خصمه وهو يتعثر في الغناء، معتبرًا أن جمهوره الحقيقي معدوم وأن من يشجعه يفعل ذلك نكايةً في شريكه السابق تشوبي. موسيقيًا، تنقّل التراك بين أكثر من إيقاع: تراب بطيء، ثم تراب سريع مدعوم بالكيبورد، قبل العودة إلى تراب تقليدي. أما الغلاف الفني فقد حمل دلالات هجومية واضحة، إذ ظهر شاو وهو يشوي "رأي تنين" (عنوان تراك لسمول إكس)، وحوله أسماء اعتبرها أكثر نجاحًا وأهمية من خصمه مثل الجراندي طوطو، الدون بيغ، أولدي، الموتشو، تشوبي ونكونو.
دون بيغ يرد على بوز فلو بعد 11 عامًا، والأخير يدخلنا في أجواء صحراوية تثير التوتر
احتاج دون بيغ إلى 11 عامًا قبل أن يعتبر بوز فلو خصمًا يستحق الرد عليه. البداية تعود إلى دِس تراك قديم أصدره بوز ضمن فريق "حالفين" بعنوان "Freestyle 2"، افتُتح بمقاطع صوتية يتلعثم فيها بيغ، مدموجة بتعليقات من مسرحية "مدرسة المشاغبين"، إلى جانب بارات هجومية مباشرة، ليُعد من أوائل تراكات مسيرة بوز فلو.
بعد سنوات، قرر دون بيغ أن يفتح النار عليه في تراك "شوكة"، ملمحًا إلى قضايا شخصية حساسة لبوز عبر فيديوهات ظهر فيها الأخير على حسابه الرسمي في إنستغرام. كما ذكّره بالأقدمية وأسبقية السجل التاريخي في الساحة، ساخرًا بالقول إن والده كان يستمع إليه، قبل أن يهاجمه على غيابه عن الحفلات الجماهيرية الكبرى والمهرجانات الموسيقية.
في مواجهة هذا الهجوم المباشر ولحن الأولد سكول، جاء رد بوز فلو من خلال دس تراك "3 Paw Bigg" (الصادر منذ أربعة أيام)، حيث اختار أن يدخل المستمعين وخصمه في أجواء غامضة مستوحاة من الموسيقى الصحراوية، مع إيقاعات الدفوف ذات الطابع الغجري في الفواصل. قدّم باراته بأداء هادئ، واصفًا بيغ بأنه "خردة من الماضي"، في حين أنه هو يسير نحو المستقبل. ذكّره بفشل ألبومه الأخير، وبأنه انقلب على مبادئه والشارع الذي يدّعي الانتماء إليه حين هاجم في 2019 فئة من المواطنين المحتجين على الأوضاع الاجتماعية. واتهمه بالنفاق والانتفاع من المواضيع التي يطرحها، وبأنه ساهم في ترويض الهيب هوب وإبعاده عن الشارع عبر تقنينه ودمجه بالمؤسسات الرسمية.
هذه النقطة تحديدًا كان بوز قد تطرق إليها سابقًا في أحد الحوارات، حيث انتقد برامج اكتشاف مواهب الهيب هوب واعتبرها محاولة لاحتواء الجنرا وتفريغها من محتواها النقدي. ومن المفارقات أن بيغ كان أحد الحكام المشاركين في برنامج "Jam Show" المتخصص في هذا المجال.
أما المفاجأة الفنية في التراك فجاءت في مقدمته، حيث شارك والد بوز بالغناء، في سخرية مباشرة من بار دون بيغ الذي قال فيه إن والده كان يستمع له.
البيغ يعيد فتح الدفاتر القديمة
لم يكد يمضي أسبوع على صدور دس تراك "شوكة" حتى عاد الدون بيغ للهجوم، هذه المرة عبر مشاركته في تراك الرابر داموست "أواخر"، حيث وجّه سهامه نحو ديزي دروس، ساخرًا من فشل ألبومه القصير الأخير "متلازمة الخشخاش الطويل"، ومعتبرًا أن مسيرته الفنية لا تتجاوز ألبومًا واحدًا ناجحًا، في مقابل أرشيفه الضخم من الأغاني الناجحة.
التصعيد لم يتوقف عند هذا الحد، إذ تبادل الطرفان السخرية عبر ستوريهات متتالية على حساباتهما الرسمية في إنستغرام. ديزي هاجم ريمكسات بيغ لتراكات هيب هوب أمريكية، واصفًا إياها بالاجترار، بينما رد الأخير باتهام ديزي بسرقة ألحان من تراكات أمريكية وفرنسية وإعادة تقديمها كما هي. وزاد حدّة التوتر حين حذره بيغ قائلاً إنه على اطلاع بما يجري في فريقه الشخصي الذي تم اختراقه، وأنه علم من خلال ذلك بمحاولاته المتكررة لتسجيل دس تراك ضده دون أن يفلح.
الجدير بالذكر أن المواجهة بين الطرفين ليست جديدة؛ فقد سبق أن دخلا في بيف قصير مطلع عام 2019، حين أصدر ديزي دروس تراك "المتنبي" ردًا على تراك "170 كيلو جرام" للدون بيغ.