برز اسم غيتة الوجدية في السنوات الماضية كواحدة من الأصوات الجديدة الأكثر جرأة واختلافًا في المشهد المغربي، نتيجة عوامل عديدة شكلت هويتها الفنية التي تتحدى التقليدي في الموسيقى.
منذ بداياتها، أدركت غيتة قيمة الثروة الموسيقية التي ورثتها من مدينتها وجدة، فوظفت تأثيراتها المتنوعة في أغانيها. كما ساعدتها دراستها الموسيقية على اكتساب مهارات التأليف والتلحين. خلال سنوات الاغتراب، احتضنت غيتة هذه التأثيرات وقدمت إصدارات تجريبية تمزج بين الشعبي والفلامنكو والراي والموسيقى اللاتينية.
البداية: بين المعهد الموسيقي والتعليم الذاتي
ولدت غيتة في وجدة وانتقلت في سن مبكرة إلى فرنسا، حيث نشأت بين ثقافتين مختلفتين أثرتا عميقًا في موسيقاها التي تعبر عن التناقضات والتمرد على القوالب. بدأت دراسة الفلوت منذ الرابعة مستلهمة والدها الذي كان يعزف ألحانًا عربية، وطورت لاحقًا مهاراتها في البيانو والجيتار ذاتيًا عبر الإنترنت. قبل انطلاقتها الاحترافية، قدمت كوفرات موسيقية على الانترنت خلال المراهقة، مما ساعدها في بناء جمهور وتطوير أسلوبها الصوتي الدافئ .
في أولى أغانيها الخاصة "Peligroso"، استلهمت غيتة الوجدية اللحن من الإيقاعات اللاتينية الحارة، وانتقلت بين نبرات صوتية متعددة مستخدمة الإسبانية كلغة تعبيرية، لترسم صورة حية عن الرغبة والتوتر. كانت هذه البداية فاتحة لمسيرة طويلة من التجريب بصوت جديد وجريء في المشهد المغربي.
تلوينات صوتية بين الجرأة والحنين
عندما أصدرت تراك "Ke Paso" عام 2021، قدّمت للجمهور عملاً أظهر جرأة أكبر في اختيار الكلمات والأسلوب. مزجت بين الإسبانية والدارجة المغربية بنبرة مليئة بالتحدي والثقة، وكأنها إعلان عن هوية فنية مستقلة. في الفيديو كليب، بدت مرتاحة أمام الكاميرا، مع تفاصيل بصرية تعكس جذورها المغربية مثل أصابعها المزيّنة بالحنّة وهي تأكل الحلوى التقليدية الشباكية.
لم تكتفِ غيتة بالغوص في السرديات النفسية والشخصية، بل اختارت في أغنية "دخل سوق راسك" أن تواجه قضية التحرش بشكل مباشر. تعبير "دخل سوق راسك" في الدارجة المغربية يعني "التزم حدودك" أو "لا تتدخل فيما لا يعنيك"، وهو ما جعل العنوان نفسه شعارًا قوياً لمواجهة السلوكيات الذكورية. الأغنية تمزج بين الهيب هوب وإيقاعات التراب، مع لمسة إندي بوب خفيفة منحتها جاذبية خاصة. جاء هذا الإصدار بعد سلسلة من الحوادث المؤسفة في المغرب التي أعادت الجدل حول التمييز والتحرش.
مثلت أغنية "Pararara" أحد أنضج أعمالها من حيث البناء الموسيقي والهوية الصوتية. تبدأ التراك بخلفية بيانو لو-فاي تمنحه إحساسًا حميميًا، قبل أن يدخل إيقاع هاوس ناعم يتصاعد تدريجيًا ليقود المستمع إلى أجواء احتفالية. هذا المزج بين الأصوات الحديثة وإيقاعات البندير المغربي يبرز التوازن بين التجريب والاحتفاظ بالتراث. تنقل صوتها بين نبرة دافئة وغنائية خفيفة تتماشى مع موضوع الأغنية الذي يدور حول الحنين والانتماء. في الكليب، وثقت غيتة لحظات عائلية ورقصات شعبية مثل الركادة، وهي رقصة فولكلورية من منطقة وجدة تتميز بإيقاعات سريعة وحركات قوية لهز الأكتاف.
صوت يليق له كل الجنرات
حملت أغنية "Mujer Cobra" كلمات تصف امرأة قوية وشغوفة، شبهتها بأفعى الكوبرا رمزًا للصلابة والصبر في الحب رغم الصعاب. تعكس الأغنية سردًا قصصيًا لعلاقة عاطفية مليئة بالتحديات، مستلهمة من ثقافة المغرب في ثمانينيات القرن الماضي، مع تصوير مشاهد تجمع بين الإثارة والحنين. يمزج التراك بين إيقاعات الريجاتون والفلامنكو من إنتاج دراغانوف، رافقه بصوت البندير مضيفًا لمسة مغربية.
في أغنيتها الأخيرة "شوفات"، تعود غيتة الوجدية إلى مدينتها وجدة لتستعيد جذورها بصريًا وصوتيًا، حيث صوّر الكليب في أجواء واقعية وهي تلعب البلياردو مع شباب المدينة. لكن هذا ليس سوى جانب من الحكاية؛ إذ اختارت في هذا التراك أن تقدم لمسة معاصرة من فن "الواي واي"، مستخدمة غناءً غارقًا بالأوتوتيون مع كيبورد دافئ وإيقاعات القراقب والدفوف.
كل هذه العناصر تشهد على جرأتها في التجريب، وتثبت أنها قادرة على تحويل أي جنرا إلى مساحة تحمل بصمتها. ومع كل إصدار جديد، يتعزز الإحساس بأننا أمام فنانة تحتاج إلى دعم أكبر وانتشار أوسع، سواء عبر إصدار حضور أقوى على منصات الحفلات، لأنها بحق تستحق مكانة أكبر في المشهد المغربي ومشهد المنطقة بشكل عام.