في صيف 2025، شهد المشهد الموسيقي بالمنطقة تحولًا نوعيًا، حيث أصبحت التداخلات بين الجنرات الموسيقية ظاهرة بارزة في الثقافة الفنية. تجلى هذا في حفلة تامر حسني في العلمين، حيث جسد ما يمكن أن نسميه تداخل الأجيال والجنرات الموسيقية، فقد ظهر على المسرح مع كريم أسامة ليقدم "هو ده بقى" من ألبوم "لينا معاد" والتي أنتجها الوايلي. ثم تنقّل بسلاسة إلى بوب مصري مطعم بالدبكة بالتعاون مع الشامي في أغنية "ملكة جمال الكون"، كاشفًا عن رغبة بكسر الحواجز الموسيقية، وتقديم توليفات صوتية تخاطب جمهورًا متنوّعًا ومتعدد الخلفيات.
يمكن القول إن كل هذا جاء كحصيلة لتجارب تراكمت خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا مع صعود جيل جديد من الفنانين الشباب المتأثرين بجنرات متعددة، من الهيب هوب إلى الإندي وغيرها. هذا الجيل المدعوم بتقنيات إنتاج متطورة وأساليب توزيع مختلفة، جعل من التداخل الموسيقي أمرًا أكثر سهولة وانتشارًا في المنطقة، وهو ما انعكس بوضوح في العروض والأعمال التي شهدناها هذا العام.
المهرجانات والبوب: تجاوز الحدود التقليدية
لم تقتصر هذه الظاهرة على تامر وحده، بل قدم أحمد سعد أغنية "حبيبي يا يا" من ألبومه "بيستهبل – الوش التاني"، بمشاركة مروان موسى وعفروتو. رغم أن النتيجة كانت تجربة موزّعة بين تأثيرات البوب الحديثة وموجة النوستالجيا التي هبت في الفترة الأخيرة، وبقيت بعيدة عن الهيب هوب. إلا أنها من منظور صناعة الموسيقى مثال واضح على تلاقي جيلين مختلفين بصوتهما وأدواتهما.
هذه الحالة من التلاقح الموسيقي ليست وليدة اللحظة، بل امتداد لحركة بدأت في أواخر العقد الأول من الألفية، يأتي على رأسها خروج صوت التراب الشعبي كأحد الأنماط الآتية من الهوامش الثقافية. وقد تم ترسيخ هذا الصوت مع الجيل الجديد من المنتجين والرابرز مثل مولوتوف وويجز ووزة منتصر.
لم تمثل هذه الحركة مجرد تجاوز لاثنين من أبرز الجنرات التي سيطرت على موسيقى الشباب، وهما التراب والمهرجانات، بل فتحت أيضًا أبوابًا أوسع للتجريب. ومع انتقال التراب والمهرجانات من الشارع إلى قلب الإنتاج، بدأت عينات من المهرجانات تتداخل مع البوب، كما ظهر في تعاونات مثل علاء فيفتي مع محمد رمضان في أغنية "بابا" عام 2019. ولاحقًا مع منتجين متخصصين في هذا المزج مثل كولبيكس، المتأثر بمشهد المهرجانات وشهدنا ذروة هذا التزاوج في "مسيطرة مع لميس كان عام 2021.
التجريب الفردي: الإندي-بوب ودبكة
كنا قد تابعنا في السنوات الماضية تعاونات جسدت التنوع الموسيقي بشكل مباشر بين البوب والهيب هوب: أنغام استضافت ويجز على المسرح، ونانسي عجرم تعاونت مع مروان بابلو في أغنية "عيشها بعافية" عام 2022. كما ظهرت روبي وهي تتحدث في إحدى مقابلاتها عن إعجابها بموسيقى التراب، وهو ما انعكس بشكل واضح في أغنيتها "حتة تاني"، حيث يمكن ملاحظة تأثيرات الهيب هوب على طريقة غنائها وأدائها.
من جانبهم، تأثر جيل الرابرز بالبوب وتوجهاته، حيث بدأت هذه التأثيرات تمتد إلى إصدارات يمكن تصنيفها تحت فئة الإندي-بوب. انطلقت الشرارة مع تراك "البخت" في 2022 الذي قدّمه ويجز، ثم استكمل توو ليت هذا المسار بألبومه "كوكتيل غنائي" العام الماضي، بينما أضاف ليجي-سي نكهة بوست-روك عبر توظيف الجيتار الكهربائي في أغنيته "لو نسياني" هذا العام.
وسط هذا الزخم من التجريب الموسيقي، برز عنصر جديد وغير مسبوق: استلهام إيقاعات الدبكة والكيبورد الشعبي الشامي ضمن سياق البوب المصري. يُظهر تراك "ولا مين"، الذي جمع ليجي-سي وزياد ظاظا وإسماعيل نصرت. هذه التوليفات الموسيقية أعادت كتابة قواعد التبادل الفني بين مصر وبلاد الشام، مؤكدة استمرار حركة التلاقح الموسيقي وفتح آفاق جديدة للتجريب بين الأجيال والجنرات المختلفة.
المشهد المغاربي: غناوة وراي وأفروبيتس
يُظهر مشهد البوب المغاربي هذا العام قدرة واضحة على التفاعل مع التجارب الموسيقية الأخرى في المنطقة. في حين يميل البوب المصري إلى الاستفادة من الموسيقى الشعبية وإيقاعات الدبكة الشامية، نجد أن البوب المغاربي، من خلال أعمال ديستانكت مثل ألبوم "BABABA WORLD" الصادر عام 2025، يدمج الغناوة والأفروبيتس مع الموسيقى الشعبية المغربية، ما يمنحه هوية صوتية مميزة على صعيد الأداء والإيقاع.
كما نجح فنانون مثل منال ولازارو وزهير البهاوي في توظيف التراث المحلي والإيقاعات الإفريقية ضمن سياق البوب، مما ساهم في توسيع دائرة تأثيره في السنوات الأخيرة. فقد حققت أغنية "لازارو" نجاحًا كبيرًا العام الماضي بعد تصدرها قائمة هوت 100، ولا تزال اليوم في المرتبة الثانية على قائمة أعلى 50 أغنية مغاربية. هذا العام ظهر منافس جديد من جيلين بأغنية "يا وليدي"، التي تُعد نموذجًا واضحًا للتزاوج بين البوب والتأثيرات المحلية والإيقاعات الإفريقية.
شهد صوت البوب المغاربي تطورًا واضحًا مع دخول تقنيات الأفروبيتس والإيقاعات الإفريقية، كما تجلّى ذلك مع زهير البهاوي في "ديكابوطابل" عام 2018، وتابع تطوره في عام 2022 مع أغنية بلطي "ألو"، قبل أن يصل إلى أوجه في التعاون العالمي لديستانكت مع فرنش مونتانا في "يا بابا" هذا العام.
أما الجديد هذا العام، فهو تنوع الأغاني على قائمة المشهد المغاربي، إذ يعتمد عدد من الإصدارات على أكثر من جنرا في آن واحد. فنجد الرابرز يقربون الهيب هوب من البوب في أعمال مثل "بون كوراج" لدراغانوف و"بوهالي" مع إل غراندي طوطو، كما تظهر تأثيرات الفونك البرازيلي في أغنية "بوبو" مع ستورمي.
بالإضافة إلى ذلك، ظهر العام الماضي استحضار روح الراي مع لمسة بوب في أغنية "مهبولة" من ألبوم منال "قلب عربي مجروح"، حيث استعادت الفنانة روح الراي التسعينيات، مضيفة طبقة نوستالجية إلى البوب المغاربي الحديث.
البوب العربي والحاجة لاستكمال ما بدأه هذا العام
في ضوء ما شهدناه خلال عام 2025، يمكن القول إن التداخلات بين الجنرات الموسيقية لم تعد ظاهرة هامشية، بل أصبحت قاعدة أساسية تعكس تحولات عميقة في ثقافة الإنتاج والاستماع. من البوب المصري المزود بتأثيرات الهيب هوب والدبكة الشامية، إلى البوب المغاربي الذي يدمج الغناوة والأفروبيتس والراي، يتضح أن الأجيال الجديدة من الفنانين والمنتجين يسعون إلى تجريب أصوات جديدة بالتعاون مع الجيل القديم لتوسيع آفاق جمهورهم.
وعلى الرغم من أن هذا العام عرف تجارب متباينة في التكامل بين البوب بشكل أساسي وباقي الجنرات، فإنه شكل بذرة أولى للتحولات الموسيقية، التي باتت -وضوحًا- مطلوبة في الفترة المقبلة. فقد أصبح البوب بعد هذا الزخم من التجريب والتداخل، أكثر وعيًا بالحاجة للتفاعل مع باقي المشاهد واستيعاب التأثيرات القادمة من الجنرات الجديدة، حتى يتمكن من الصمود والوصول إلى الجيل الجديد عبر جذب جمهور متنوع من خارج حدود البوب التقليدي، والدفع بالموسيقى العربية لتطور عوض أن تلتف في دوائر من التكرار.
* مقال ضمن سلسلة "العام الذهبي للأغنية" التي تتتبع نشاط المشهد الموسيقي الاستثنائي للعام 2025