في الثانية عشرة من عمرها، كانت لاكامورا تعبر الحدود من المغرب نحو إسبانيا. في حقيبتها حملت لهجة مدينتها مكناس الدافئة وصوت طفلة تغني على درج المدينة القديمة لأم كلثوم، بينما يقف أبناء مدينتها، أعضاء فرقة الراب آش كاين على مقربة منها يستعدون لعرضهم. لم تكن تعرف وقتها أن الراب سيصبح جزءًا من حكايتها، ولا أن سنوات الغربة ستعيدها إلى المغرب بفكرة بسيطة فتغيّر حياتها إلى الأبد.
سنوات إسبانيا كانت طويلة. درست وعملت واكتشفت هناك أصواتًا جديدة لم تكن تعرفها. سمعت الراب المغربي من بعيد، عبر حلقات الراديو مع مومو الذي جمع روّاده الأوائل، من دون بيغ إلى شايفين وديزي دروس. بعد تخرجها في مجال الضيافة وعملها في مطاعم وفنادق متنقلة بين سويسرا وفرنسا، جاءت لحظة تشبه مشهدًا من أفلام هوليوود: خلعت زيّ العمل فجأة بعدما رأت على شاشة هاتفها إعلان برنامج "جام شو" لدعم مواهب الراب، وقررت العودة إلى بلدها.
ملامح الصوت الأول
كان في رصيد لاكامورا قبل المشاركة بالبرنامج أغنيتان فقط، أصدرتهما قبل أربع سنوات في 2021، لكنهما كانتا كافيتين للكشف عن مشروع فنانة تعرف جيدًا ما تريده من صوتها.
في "Breaking bad" على إيقاع الدريل، تحدثت عن علاقتها الأولى بالراب، عن الانجذاب إلى طاقته الخام، ورغبتها بأن تكون جزءًا من هذه الثقافة. كانت الأغنية إعلان هوية أكثر منها تجربة عابرة: أظهرت فيها براعتها في التحكم بالفلو، وصلابة البانشلاينات، وسلاسة الانتقال بين طبقات صوتها. كان هذا الإصدار تمرينًا أول على امتلاك المساحة، وعلى قول ما لم يُقَل بصوت نسوي قوي لا يطلب الاعتراف بل يفرضه.
أما أغنيتها الثانية "كوبرا"، فبدت كأنها تفتح بابًا جديدًا في مسارها. تميل نحو البوب والأفروبيتس، لكنها لا تتخلى عن جذور الراب، إذ تحافظ لاكامورا على إلقاء البارات بإيقاع متزن وفلو لافت. قد تكون أغنية عاطفية في ظاهرها، لكنها تكشف عن وعيها بالصوت والإيقاع، وعن بحثها المبكر عن هوية موسيقية تجمع بين الغناء والراب.
"جام شو": بداية الرحلة الحقيقية
في استوديو "جام شو"، حيث الإضاءة القوية والميكروفونات المعلقة فوق الرؤوس، كان أول ظهور تلفزيوني لها أمام لجنة التحكيم المؤلفة من شوبي من فريق "شايفين" ودون بيغ. لم تحتج أكثر من بضع ثواني لتفرض حضورها، فمن أول بار كان واضحًا أن شيئًا مختلفًا يحدث. وفي البرايم الثالث، حين جاء وقت الكلاش، لم ترفع صوتها كثيرًا، لكنها استخدمت الكلمات كأنها طلقات دقيقة، تقنية ومحسوبة.
في نهائيات "جام شو"، كانت لاكامورا الفتاة الوحيدة بين المتسابقين النهائيين على المسرح. كانت الأغنية التي أدتها أكثر من مجرد أداء ختامي، وخروج واضح عن كل ما قدمته سابقًا. كتبت "لولي لولي" خلال ساعات قليلة في كواليس التحضيرات، لكنها بدت كأنها ثمرة سنوات من التجريب. أغنية بوب تميل إلى الفلامنكو والأفرو، يغمرها صوت دافئ ببحة خفيفة، تُغنّى بإسبانية تتسلل إلى الدارجة المغربية بخفة، وتُؤدى برقصة تعبّر بقدر ما تغني.
لم تفز لاكامورا بالنهائيات لكن حين بثّت الأغنية على التلفاز، التقطها الناس سريعًا. وبعد انتهاء البرنامج، أطلقتها على قناتها الخاصة، لتتحول إلى ظاهرة صغيرة بحد ذاتها، متجاوزة سياق المسابقة نحو جمهورٍ أوسع. خلال أسابيع، تجاوزت مشاهداتها الملايين، بدون لا حملة دعائية أو دعم إنتاجي، بل بفضل الحضور الصافي الذي حملته.
كارابينا: ولادة صوت جديد في البوب المغربي
بعد "جام شو"، لم تكتفِ لاكامورا بوهج الشهرة المفاجئ، بل دخلت مباشرة إلى مرحلة العمل الفعلي. كان قرارها الأول هو الاستقرار في المغرب، والثاني التوجه إلى استوديو دراغانوف، أحد أبرز المنتجين والرابرز في المشهد، حيث بدأت أولى جلسات التسجيل التي ولدت منها "كارابينا".
التعاون بينهما كان التقاء رؤيتين أكثر منه اختلافًا، فدراغانوف الذي أسس صوتًا يقوم على مزج الشعبي بالهيب هوب، وجد في لاكامورا خامة صوتية مرنة، بينما رأت هي في هذا المزج المساحة الأنسب لصوتها.
في "كارابينا"، التقت تكنيكات الراب بإيقاعات البوب، فيما انزاحت الأغنية عن النمط الذكوري المعتاد في الراب نحو فضاءٍ أكثر حسية وانفعالًا. استعارت لاكامورا من الفلامنكو إيقاعه الغني ومن الغناوة عمقها الروحي، لتبني أغنية تتحدث عن الغضب والقلق، وعن التوازن الدقيق بين الانفجار الداخلي والرغبة في البقاء متماسكة.
أما الكليب الذي أخرجه بيزي، فجاء كامتداد بصري للأغنية، مستلهمًا ألوان الغناوة ورموز الثقافة المغربية، ليشكل مع الأغنية خطوة أولى نحو ترسيخ حضورها في مشهد البوب المغاربي.
في غضون أشهر قليلة، شهدت مسيرة لاكامورا انطلاقة قوية على الساحة الفنية، استضافها زهير بهاوي في حفله بمراكش، لتقدم أغنية النهائي "لولي لولي"، كما شهرت على مسرح موازين مع نادية العروسي. لكن اللقطة الأهم كانت استضافتها في برنامج مومو، الذي كان بالنسبة لها نافذة على المشهد المغربي منذ بداياتها.
خلال المقابلة، تحدثت عن تأثير الموسيقى المغربية الكلاسيكية على أسلوبها، مستحضرة أسماء مثل نعيمة سميح والحياني والهادي بالخياط، وكيف شكلت كلمات أغانيهم توجيهًا لها ككاتبة ومؤدية. كما أوضحت أصل اسمها الفني، قائلة إن اسمها الحقيقي قمر وأضافت إليه "لا" من الإسبانية ليصبح لاكامورا، وهو متأثر باسم المغنية الفرنسية-المالية Aya Nakamura، التي ألهمتها أسلوب المزج بين البوب والأفرو والراب، ليصبح صوتها علامة واضحة لهويتها الفنية منذ بداياتها.
مع هذا الانطلاق، بدا واضحًا أن لاكامورا تمتلك القدرة على البناء على شعبيتها المبكرة بشكل ذكي، مستفيدة من الدعم الجماهيري لتوسيع مشاريعها. ونحن بانتظار ما ستحضره الفترة المقبلة، هل ستتمكن من ترسيخ هذا الحضور وتحويل انطلاقتها المبكرة إلى مسيرة طويلة؟






