يحتلّ الفيديو كليب موقعًا محوريًا في مسيرة مروان موسى الفنية؛ فرغم قلّة إنتاجه البصري مقارنة بزملائه في المشهد، إلا أنه نجح في أن يجعل من كل عمل تجربة مؤثرة تترك بصمة خاصة في تطوّر الهيب هوب المصري. منذ "شيراتون" وحتى "مطروش"، تمتلىء إنتاجاته بمعالجات لأزمات نفسية وأفكار ذهنية تعكس ما يمر به أبناء جيله، لتكون بمثابة سكتشات فنية مرحة وساخرة مشبعة بالاستعارات والاقتباسات من الثقافة الشعبية، واستعادات من التراث الشعبي الروحاني.
في هذا التقرير، نستعيد أبرز الفيديو كليبات التي شكّلت محطات فارقة خلال الأعوام الخمسة الماضية، لنفهم كيف استطاع موسى أن يجعل الصورة امتدادًا للفكرة، ولماذا تبقى كليباته دائمًا عالقة في الذاكرة.
مطروش
في كليب "مطروش"، يأخذ مروان موسى روح التبجّح التي بُني عليها التراك من ألبومه الأخير "ماتادور" إلى مستوى أكثر تركيبًا وسخرية. فالكلمة "مطروش" في اللهجة المصرية الحديثة تُستخدم للدلالة على الشخص شديد الذكاء والتميّز، الذي "مافيش زيه كتير"، وهو ما يجسّده موسى حرفيًا في الكليب الذي يصوّر احتجازه على يد عصابة مصرية غريبة الأطوار، تتحدث بالفرنسية، بينما تعيش في مكانٍ يجمع بين طابع الشقق الشعبية المصرية من الداخل والطراز الإيطالي من الخارج.
الكليب مليء بالتفاصيل الرمزية والفكاهية التي تكشف عن وعي موسى البصري وسخريته من ذاته ومن المجتمع في آنٍ معًا؛ كحواره مع قرينه الذي يهاجمه بسبب انعزاله في الغرفة منذ عامٍ ونصف قائلًا: "إيه يا عم، رجعت امتى؟ بقالك سنة ونص، هتجهز امتى؟"، أو مشهد سمكة الرنجة الميتة المربوطة بلجامٍ ككلاب الحراسة، أو الصورة المقسومة لوجه أودري هيبورن بانفعالات متناقضة، وكأنها رمزٌ لفتاةٍ يهرب منها رغم افتتانه بها.
اختيار أودري هيبورن لم يكن عشوائيًا، فهي واحدة من أهم نجمات الخمسينات والستينات في هوليوود، واشتهرت بأدوار الفتاة الجميلة التي يحبها الجميع لدلالها وانوثتها، وربما استعمل صورتها هنا كاستعارة عن الجمال المثالي الذي يحاول موسى التهرب منه. تركيبة بصرية مركبة من إخراج العنتبلي وأبو العلا.
بص أكبير
يدخل تراك وفيديو كليب "بص اكبير" الصادر عام 2025، ضمن ألبوم "الرجل الذي فقد قلبه" في أعماق البنية النفسية لمروان وهو في مرحلة المواجهة، والتي تعد أحد مراحل تعافيه من صدمة وفاة والدته، حيث جمعتهما علاقة وثيقة أدى فقده لها لمحاولته التشافي بالموسيقى وتغيير بعض من ديكورات المنزل. يختار المخرج يوسف هريدي لتلك المرحلة ملامح تجمع بين القسوة والاستغراق، حيث يواجه موسى ذاته في منزل طيني في أحد المناطق الصحراوية، ويأخذ في التنقل بين دهاليزه وباحته، محاطًا بمرايا تضعه أمام قراراته وانفعالات وجهه دون مواربة، أو سيدات مغطيات تمامًا، أو مرتادي حلقات ذكر يؤدون رقصات صوفية. تنجح الصورة البصرية في خلق التوتر طوال الفيديو، من خلال الانتقال من حالات الاستغراق الصوفي إلى حالات الإنفعال الشديد.
https://youtu.be/i9Yq3aCa3lg?si=YWp9a_mQ7s5DZAVs
عامل إيه؟
على عكس "بص اكبير"، يمثل تراك وفيديو كليب "عامل إيه؟" الصادر عام 2024 الذي أخرجه عمر دونجا كمرحلة من حياة مروان موسى، تمثّل مرحلة الإنكار التي سبقت ألبومه القصير بالاسم نفسه. خلال الإنكار تميل الصورة البصرية للسكون والخمول، تمامًا مثل نبرة صوت وأداء مارو. يمزج الفيديو بين السرد الواقعي الذي يتمثل في غرفة مروان وصالة منزله والاستوديو الذي يسجل به، والسرد السريالي حين يتأرجح بين أوراق كتبت عليها أعماله، أو يعمل مدربًا لأطفال يلعبون الباليه، أو يقبع في غرفة حزينًا، وفي الخلفية سحاب وظلال أطفال يلعبون البالية ومناطق خضراء ممتدة. هذا التباين يجسّد صراعه بين الحياة العملية المتسارعة التي فرضتها عليه مهنة الراب، والرغبة في مداواة الجروح النفسية التي أهملها طويلًا، بينما تأتي صورة أمه الشابة ملازمة لمعظم المشاهد والأماكن كرفيق روحي.
ضم الفيديو أيضًا ظهور والده كمشاهد ومشجع، كما تظهر دنيا وائل مرددة لباراته التي يسأل فيها نفسه عن احتياجاته: "عامل إيه؟ شايف إيه ؟ متضايق ليه؟" وكأنها يد حانية تحاول مساعدته.
سحمد
قبل تلك الجرعة النفسية المكثفة شاهدنا نسخة متهكمة من موسى في فيديو كليب "سحمد" ضمن الألبوم القصير "عقد احتراف"، الصادر عام 2022، حيث يخلق موسى والمخرج مصطفى بسطامي مقارنة بين الإحتراف في المجال الفني في جيلهما والاحتراف في جيل الثمانينات؛ بين الإجتماعات المرهقة والنقاش مع أجساد مترهلة في بدلات كلاسيكية لمحاولة إقناعهم بفكرة فيلم "سحمد"، وعلى النقيض منها فضاءات برامج التصميم الإلكترونية الحديثة الواسعة من للفوتوشوب والمونتاج والإنتاج الموسيقي وغيرها.
فارق شاسع بين جيلين يضعه أمامنا كانتصار لجيل الإنتاج من خلال الإنترنت، والذي له حرية أكبر. تستمد الصورة البصرية لمرحلة الثمانينات من الأفلام الأمريكية الحديثة والقديمة المصورة في تلك الفترة، من حيث الملابس وتصميم المكاتب، ويعطيها المخرج لمسة مصرية بسيطة من خلال أفيشات كلاسيكيات السينما المصرية التجارية المعلقة بكل مكان.
بطل عالم
في نفس العام ولنفس الألبوم القصير "عقد احتراف"، قدم موسى بالتعاون مع العنتبلي فيديو كليب "بطل عالم"، الفكرة شديدة في البساطة ساعدت موسى للانتشار بين دوائر و فئات عمرية مختلفة. انجذب كثيرون بهذا التصوير المجرد الصادق لمعيشة الشباب في شقق مناطق القاهرة العريقة؛ المزج بين الملابس الشبابية من ماركة جوردان والسجاجيد تقليدية التصميم، والموجودة في البيوت المصرية منذ التسعينات وما قبلها؛ الكاستات القديمة والشرائط الموسيقية وغيرها.
على نقيض كلمات تراك "بطل العالم" للتبجح المفرط، والتلاعب بالفلوهات، جاء الفيديو عاديًا للغاية؛ وكأن الإستقلال نفسه والقدرة على خلق مساحة للشخصي أمر يستدعي بحد ذاته التفاخر وفرد العضلات. يذكر مدير أعمال موسى في تلك الفترة، عمر عماد أنه لم يكن متحمسًا لـ"بطل عالم" بعكس "سحمد"، ولم يتوقع نجاحه، وأن من أصر على تصويره وسعى إلى ذلك هو مارو بنفسه.
تسلا
بعد محطة "شيراتون"؛ أحد أبرز كليبات عام 2020 في مشهد الهيب هوب المصري، وجد موسى نفسه في بؤرة ضوء مختلفة للغاية. أخرج الكليب المخرج علي علي، أحد أهم علامات الإعلانات في مصر، والحائز على جائزة مهرجان "كان ليون" لعدة مرات، بإنتاج شركة "Good People". تم تصوير الفيديو في أحد سجون مدينة براغ في التشيك، وبحسب مروان موسى فقد صُورت مشاهد أحد أجزاء سلسلة الأفلام الشهيرة لترم كروز "Mission Impossible" في نفس السجن. قدم موسى من خلال الكليب سردية تجمع نقيضين؛ ففي حين أن الشهرة تتيح له امتيازات وقدرة أكبر على تحقيق وتنفيذ ما يريد، إلا أنه محاط بقيودها ايضًا، وهو ما نلاحظه طوال فترة سجنه، والتي يمارس خلالها أعمالًا داخل حسبه، مثل غسيل ملابس السجناء، والالتزام بقوانين السجن حتى يتسنى له التمرد عليها وراء قضبانه. من الجدير بالذكر أن علي علي كرر التجربة وأخرج فيلمًا قصيرًا في عام 2023، من بطولة مروان حمل عنوان "سموكي آيز"، وشارك فيه حسن أبو الروس ونورين أبو سعد وملك بازيد ومحمد أبو غالي.