يتذكر راغب علامة وقتًا كان قد أصبح فيه معروفًا في كل البلاد العربية، يمشي في الشوارع فيستوقفه الناس للتصوير معه، غير أنه بقي يدرك أن ثمة شيء ناقص، فشهرته لم تكتمل لأنها لم تتوج بالحضور في مصر. "بس أوصل لمصر ما حدش يعرفني"، يقول للميس الحديدي التي استضافته في إحدى حلقات برنامجها "فيش وتشبيه" بعد قرابة ربع قرن من بدء مسيرته الفنية.
هكذا كان التحدي بالنسبة له: كيف يدخل هذا البلد صانع النجوم؟ ما الذي يملكه ليأسر قلوب الجمهور المصري؟
من الريس متقال إلى عدوية
ربما يبتسم محبو راغب عندما يتذكرون أن أولى أغانيه عام 1981، في برنامج "ستوديو الفن"، كانت "بص على الحلاوة" للريِّس متقال، أحد أشهر أغاني الموال الشعبي المصري. سمعها في شريط كاسيت جاء به أحد أصدقائه، وقرر أن يتقدم بها لبرنامج المسابقات الشهير.
ينتهي "ستوديو الفن"، فرصة الظهور الأولى، وتبدأ رحلة السعي الحقيقية. يسافر راغب الشاب إلى باريس للمشاركة في العروض الافتتاحية بالملاهي الليلية والكباريهات العربية، التي كانت تستضيف كبار المغنين في العالم العربي آنذاك، مثل أحمد عدوية ووديع الصافي وشريفة فاضل وغيرهم. هناك يقابل حسن أبو السعود القادم برفقة صديق عمره عدوية. يعجب به الملحن الشهير، ويصرح له بغناء "يا بنت السلطان" في لبنان، واحدة من أشهر الأغاني التي لحنها لملك الأغنية الشعبية. تلك الأغنية التي ظلت لما يقرب من نصف قرن جزءًا حميميًا دائم الحضور في حفلاته وعروضه.
يغنيها، ويستبدل جملتها الشهيرة "الميه في إيديكي وعدوية عطشان"، لتصبح "الميه في إيديكي وراغب عطشان".
المصري يكسب
صعد نجم راغب علامة سريعًا في المنطقة بأكملها كموهبة قادرة على تطويع صوتها في الطرب والانتقال به إلى البوب ببراعة؛ وفنان منفتح للتعاون مع الجميع. حقق ألبوما "ريت" و"هدية" اللذان صدرا عام 1986 نجاحًا أكثر من كافٍ لمطرب صاعد. ثم فجأة يرسل له القدر أحد الهيتات باللهجة المصرية. أغنية "حمد الله على السلامة"، التي باعها له شخص ادعى ملكيتها، وتبين بعد ذلك أنه "نصَّاب"، وأن الأغنية مملوكة لكاتبها محمد حامد علي، وملحنها محمد غنيم.
بعدها بثلاث سنوات طرق بابه الشاعر عاطف بركة، حاملًا أغنية "قلبي عشقها". اقتنصها راغب على الفور وجعل منها عنوانًا لألبومه الصادر عام 1991، مغيرًا بعض كلماتها لتناسب تفضيلاته للحب البسيط. وزع الأغنية -والألبوم بالكامل- طارق عاكف، مميزًا إياها بالصفقات المتتابعة التي تشبه التصفيق الجماعي في أفراح الفلاحين. وضم الألبوم أيضًا أغنية "راجع لعيونك" من أشعار بهاء الدين محمد وألحان إحسان المنذر.
منذ ذلك الحين، لم يخلُ أي ألبوم لراغب علامة من أغنية مصرية، في ألبوم "يا حياتي" (1993)، تعاون مع أحمد شتا وصلاح الشرنوبي في أغنية "مغرم يا ليل"، ومع بهاء الدين محمد وحسن أبو السعود في "آسف حبيبتي". وفي ألبوم "توأم روحي" تعاون مع الشعراء أحمد شتا وبهاء الدين محمد وسمير الطائر، والملحنين صلاح الشرنوبي وحسن أبو السعود.
بالانتقال من التعاون مع شركة تسجيلات "ريلاكس إن" اللبنانية، إلى "عالم الفن" المصرية، في ألبوم "فرق كبير- سيدتي الجميلة" (1996)، وجد راغب مساحة للاستفادة من ثنائيات تلحينية توزيعية مختلفة ومتباينة، من صلاح الشرنوبي وطارق عاكف في الأغنيتين اللتين حمل الألبوم اسمهما، إلى عصام كاريكا وأشرف عبده في "لو دارت الأيام" و"آه يا ليل".
يمكن أن نستنتج بسهولة بعد نهاية عقد التسعينات بأن راغب استفاد من اتجاهه المبني على الأغنية الرومانسية، أو ما أسماه "الحب السهل البسيط"، باللهجة المصرية، والإيقاعات اللحنية للملحنين والموزعين المصريين، سواءً مدرسة الشرنوبي الدامجة للاتجاه الشرقي مع التجديدات الغربية في الانتقالات وبعض البناءات، أو اللون الشعبي بشكله الكلاسيكي السبعيناتي وحيويته الشابة التسعيناتية مع حسن أبو السعود وعصام كاريكا وغيرهما.
ملك الكليبات
مع صعود راغب علامة كان الفيديو كليب قد بدأ في تسيد المشهد. وأصبح مظهر الفنان والكاريزما التي يتمتع بها لا تقل أهمية عن جمال صوته. اعتلى راغب الموجة الجديدة بمهارة، وأصبح ملكا للفيديو كليب في العالم العربي.
في بداية التسعينيات انطلق في عالم الفيديو كليب بأغاني "قلبي عشقها" (1990)، و"مغرم يا ليل" (1991) و"آسف حبيبتي" (1993)، و"توأم روحي" (1995) وغيرها. حملت كليباته دائمًا ما يشبه القصة المتكاملة، وأدخلت عناصر بصرية غربية جديدة على العين العربية مثل الرقص المعاصر أو الفلامنكو، والديكورات الغرائبية، والمظاهر الطبيعية الخلابة، يضاف إليها -بالطبع- وسامة راغب وأناقته البسيطة. تركز الكاميرا على لمسات تساهم في صناعة كاريزمته: طلَّته الجذابة، الشارب الكثيف، نظارة الشمس السوداء...
ثم جاءت الألفية الجديدة، ومرحلة شركة "مزيكا"، التي زادت من بريق كليباته وجعلتها أكثر حيوية مع أغنية "طب ليه" (2002). صحيح أن الصورة المقدمة لم تكن غريبة على شكل كليبات راغب، لكن تتابعات التصوير بين الموقع واللقطات المصممة بالغرافيكس كان طرحًا جديدًا استفاد منه. بعدها بروزت "مزيكا" راغب في بيرسونا السوبر ستار، مُركزة على نمط حياة النجوم وتصويره. "الحب الكبير" و"نسيني الدنيا" (2004) خلقا صورة شديدة الأناقة والتكلف: عارضات أزياء بملامح أجنبية واضحة، سيارات فارهة، تصوير في أوروبا. واكب راغب سريعًا التصور البصري الجديد لعصر الرفاهية التكنولوجية ببداية الألفينات وأدخله ضمن مشروعه الفني.
في هذه الأثناء أيضًا، لا يمكن أن ننسى بصمة محسن جابر، وشركته "عالم الفن"، على راغب. وربما كان أبرز ما في تلك المرحلة هو التعاونات الفنية التي أضفت المزيد من الحيوية على نجوميته. حوى ألبوم "سهروني الليل" (2001) ثلاثة ديوهات، "قلبي احتار" مع الشاب فضيل، و"بتغيب بتروح" مع إليسا، و"يلا يا شباب" مع أندي، بالإضافة إلى التعاون مع نخبة جديدة من الملحنين والموزعين مثل عمرو مصطفى وحميد الشاعري وأشرف محروس.
مبروك عليك 60 مليون!
بالعودة لحديثه عن الذكريات، يروي راغب قصة سعيه لإذاعة أغانيه في المحطات الرسمية المصرية، مستغربًا من عدم إعطائه الموافقة رغم شهرته الواسعة. شرح له أصدقاؤه أن إذاعة أغانيه في مصر تتطلب اعتماده من الإذاعة المصرية. وبالفعل، أدى أمام لجنة استماع كان من بين أعضائها الملحن حلمي بكر والإعلامي وجدي الحكيم. أعجبت اللجنة بصوته وأعطته تصريحًا مصحوبًا بجملة "مبروك على مصر راغب علامة"، وقبل أن يخرج من مبنى الإذاعة والتلفزيون بماسبيرو استوقفه أحد الأشخاص وقال له الجملة التي يتذكرها حتى الآن: "مبروك عليك ستين مليون".
بحسبة بسيطة لم يكسب راغب علامة فقط ستين مليون شخص، هم عدد سكان مصر وقتها، لكنه كسب فوقهم أضعافا مضاعفة من المستمعين والجماهير إلى يومنا هذا. إذ أصبحت اللهجة المصرية ركنًا رئيسيًا من أركان سطوع نجمه.