أصدر رامي صبري هذا الاسبوع الألبوم الثاني عشر في مسيرته التي انطلقت قبل حوالي عشرين عامًا. يخوض الفنان في هذا الألبوم رحلة موسيقية تمزج بين البالاد العاطفي والإيقاعات اللاتينية، محاولًا المحافظة على هوية يعرف جمهوره مفاتيحها جيدًا، ومقدمًا من الأغاني ما يناسب صوته، بتعاونات متنوعة.
بعد استماع أولي للألبوم، وضع فريقنا تحليلهم لأغانيه، ورتبوها بشكل صاعدي:
فقدت الأمل فيكي
تعكس الأغنية بوضوح حالة شديدة من الغضب والخذلان، وقد تلامس مشاعر المستمعين الذين يمرون بظرف مشابه، ولكن اللغة مباشرة وتفتقد للشعرية، والجملة اللحنية الافتتاحية ضعيفة ولا تبدو ملائمة للحالة. ورغم أن اللحن يتحسن بشكل ملحوظ في لازمة الأغنية، ولكن ذلك ليس كافيًا للرغبة بتكرار الاستماع للأغنية.
تيجي نتصور
أغنية "تيجي نتصور" تأتي بإيقاع لاتيني راقص وبطابع رومانسي خفيف، مستوحى من تركيبة مألوفة في أغاني البوب المعاصر. الفكرة الأساسية للأغنية توثيق اللحظات الجميلة بصورة للذكرى ليست جديدة، بل متوقعة ومنطقية، فغالبًا ما يسعى المحبون إلى الاحتفاظ بصور تجمعهم في لحظات سعيدة.
حتى عزف الجيتار المنفرد "الصولو" بدا مناسبا للسياق الموسيقي، لكنه لم يُضف عنصرًا مميزًا أو يحمل بصمة خاصة تُحدث فرقًا في التجربة السمعية.
وبالرغم من أن الأغنية تُعد لطيفة وسهلة الاستماع، إلا أنها من وجهة نظري لم تشبع شغفي لا بأغاني الحب ولا بالرقص. فهي تمر بخفة دون أن تترك أثرًا إيقاعيًا عالقًا في الذاكرة، وتتخللها بعض الركاكة في الكلمات في بعض الأماكن.
العوض على الله
في أغنية "العوض على الله" يقدم رامي صبري عملًا يجمع بين صدق الأداء وجمال اللحن، وهو من ألحانه، بكلمات كتبها محمد عاطف وتوزيع طارق توكل. ما يميز هذا العمل ليس فقط صيغته الغنائية بل أيضًا لغته التي تحمل شحنة إنسانية رفيعة.
التركيبة اللغوية للنص تشد الانتباه منذ البداية فهي تمزج بين النبل والتسليم، إذ يتمنى المتكلم الخير للطرف الآخر رغم انتهاء علاقة الحب، ويضع ثقته في الله دون أن يترك مجالًا للضغائن أو الانتقام. هي رؤية شبه أفلاطونية في نقائها لكن رامي ينجح في جعلها واقعية من خلال أدائه الصادق، الذي يُشعرك بأن الكلمات خرجت من مكان عميق في قلبه.
غلطان
استمرارًا لخط الغناء العاطفي القائم على الجراح والندم، يقدم رامي صبري أغنية "غلطان" وهي أغنية لطيفة من حيث التكوين العام، لكنها في رأيي تعاني شيئًا من التكرار في المعنى والمزاج العام مقارنة بأغنيات أخرى في نفس الألبوم.
يبدأ رامي الأغنية بجملة "غلطان في العنوان / قولوا مالوش في قلبي مكان" وهي عبارة تعكس مشاعر الحسم بعد علاقة عاطفية منتهية، لكنها في مضمونها قريبة جدًا من أغنية "بياع" ضمن الألبوم، بل ويمكن القول إن "بياع" تتفوق من حيث التعبير والعمق العاطفي.
ومع ذلك ما يترك أثرًا واضحًا في "غلطان" هو التوزيع الموسيقي، وتحديدًا الفواصل الغنية بالوتريات التي تميزها آلة العود والتي منحت الأغنية دفئًا وخصوصية ربما فاقت ما حمله النص نفسه من مشاعر.
كل حاجة فيكي حلوة
أغنية المقسوم الوحيدة في ألبوم رامي صبري العائم في بحر الإيقاعات اللاتينية، تنجح بتعديل المزاج وبكسر الرتم. الأغنية كاسمها: كل حاجة فيها حلوة، ولكنها تفتقد إلى اللمسة المميزة لتبقى في مكانة متوسطة بين أغاني الألبوم. اللافت أن الأغنية تتكرر بتوزيعين، الأول مقسوم لطارق توكل، والآخر إنتاج إلكتروني هاوس لـ علي فتح الله، ونسخة المقسوم تتفوق على نظيرتها.
بحكيلك عن الأيام
تأتي أغنية "بحكيلك عن الأيام" انعكاسًا لرغبة مكبوتة توقدها الوحدة، عندما نرغب في منتصف الليل بفتح دفاتر الماضي والاتصال بحبيب سابق، لا بهدف العودة وإنما رغبةً بسرد ذاتي، عن تفاصيل صغيرة نلاحظها بالأيام الطويلة التي تمر ببطء، وترسم صور شعرية كئيبة "وآخر يومي قبل ما أنام/ بنام متغطي بكتابي/ وكتبك بعيني دموع". كل مقطع يبدأ من الانكسار، وينتهي بالتماسك الظاهري. وصوت رامي صبري يتناغم مع كوردات الجيتارات الهوائية ليخلق حالة خاصة من الشجن، عبر لحن وضعه الفنان حسام حبيب. ولكن التأثير الأكبر يأتي بنبضات البيانو، التي تدخل على الأغنية كقطرات ماء باردة تسقط على قلب مشتعل.
بقلبي معاك
من بين أغنيات الألبوم تبرز "بقلبي معاك" كواحدة من أجمل وأكثر الأغاني رقة ودفئًا. تنطلق الأغنية بإيقاعات لاتينية ناعمة وأنغام جيتار آسرة تهيئ المستمع منذ اللحظة الأولى لرحلة عاطفية صادقة.
في هذا العمل يستعيد رامي صبري مشاعر الحب التي لم تخفت رغم البعد ويُعبرعن وفائه لحبيبته التي ما زالت تسكن قلبه، واعدًا بلقاء قريب يعيد وصل ما انقطع. الأغنية تحكي قصة حب قوية أبعدتها المسافات لا المشاعر وتُقدم بلغة صادقة تُشعرك بصدق التعلق والرغبة في الاستمرار.
كتب كلمات الأغنية تامر حسين ولحنها مدين فجاء العمل بتناغم جميل ينقل الإحساس ببساطة وعذوبة دون تكلف.
أنا بحبك إنت
لا يخرج رامي صبري من المساحة التي يحبها جمهوره، بل يقدم في "أنا بحبك إنت" أغنية بالاد عاطفية رقيقة، كعادته. تتميز الأغنية بلحنها السلس والمريح للأذن وبالتوزيع الموسيقي الذكي الذي يوظف الإيقاعات اللاتينية الغنية برشاقة، ما يمنح المستمع شعورًا بالدفء والانسيابية.
أكثر ما يميز الأغنية هو صولوهات الجيتار الرقيقة في الفواصل الموسيقية، التي قد لا نبالغ إن وصفناها بأنها الأجمل بين صولوهات الجيتار في الأغاني العربية منذ أكثر من سنة. أما الكلمات، وعلى الرغم من بساطتها والميل للتكرار فيها، إلا أنها تؤدي الغرض المطلوب منها، لترسم سياق عاطفي رقيق يناسب الأجواء الرومانسية التي تخلقها الموسيقى.
الانجذاب العاطفي السريع والتمسك بالفرصة لإيقاع الآخر بالحب؛ هذه هي الحالة العامة التي تتناغم مع الإيقاع السريع والتي يتمكن رامي صبري من التعبير عنها بأدائه كما ينبغي، فتحضر النبرة العاطفية دون مبالغات.
بياع
في أغنية "بياع" يغوص رامي صبري في أعماق وجع ما بعد الفراق حيث تتجلى مشاعر الانكسار والندم على الوقت المهدر في علاقة مؤذية. يبرع رامي في أداء هذا اللون العاطفي بأسلوب عذب يحمل صدقًا واضحًا يُكسب الأغنية طابعا إنسانيا يمس القلوب.
كتب كلمات الأغنية عمرو المصري ولحنها ووزعها عمرو الخضري فجاء العمل متكاملا من حيث البناء الشعري والموسيقي. وتبرز فيها صور لغوية قوية تغلق باب العودة بشكل نهائي كما في عبارة: "ده عشم إبليس وقولوله ميجيش / مع نفسه يشوف مأساته ويعيش" والتي تعكس مزيجا من الحسم والتشفي في آن واحد دون أن تفقد الأغنية شفافيتها العاطفية.
مستغرب إنت
تبدأ "مستغرب إنت" من لحظة عابرة، من انطباع تم رصده في عين الآخر، نظرة استغراب، وكأن الذي اعتادك مكسورًا لم يتخيلك واقفًا بهذا الثبات. الأغنية تبني على هذه اللمحة، وتحولها إلى بيان كامل عن النضج العاطفي، عن استرداد النفس من رماد العلاقة دون جلبة ودون دموع مستهلكة. إنها ليست أغنية انتقام، ولا حتى تعويض، بل محاولة للظهور بأفضل صورة ممكنة بعد الافتراق، لترتّب ما تبقّى من كرامتك على عتبة الخروج، وتغلق الباب بابتسامة فيها نزعة للانتصار.
لازمة الأغنية تعكس تناقض: "هنساك/ ما فيش أسهل من النسيان/ ولو يجمعنا مرة مكان/ يا ريت تعمل ما تعرفنيش"، ففي الوقت الذي يحاول فيه رامي صبري أن يظهر لا مبالي، يطلب من الآخر أن يجاريه باللعبة؛ إنه تناقض إنساني يمكن تصديقه والتعاطف معه، ويزيد من جاذبية الأغنية التي لا تخرج من بحر البوب اللاتيني الذي يعوم به الألبوم.
اشترك في كتابة هذه القائمة كل من نورهان أبو زيد وعمر بقبوق.