أغنية واحدة، ومصادفة واحدة، كانت كافية لتُطلق شراكة خالدة بين صوت العندليب وعبقرية بليغ.
في ذكرى ميلاد عبد الحليم حافظ، اخترنا أن نعود إلى اللحظة التي غيّرت في مسار أغنية الطرب العربية: أول لقاء فني بينه وبين بليغ حمدي، حين اجتمعا على "تخونوه". فمن بعدها، شكّل عبد الحليم حافظ وبليغ حمدي ثنائيًا استثنائيًا في تاريخ الموسيقى العربية، جمعتهما أكثر من ثلاثين أغنية أصبحت علامات مضيئة في وجدان المستمعين. لكن بداية هذا التعاون لم تكن مخططة، بل جاءت على حساب فنانة أخرى من الزمن الجميل: ليلى مراد.
إهداءً لـ حليم
كتب كلمات "تخونوه" الشاعر إسماعيل الحبروك، ولحّنها بليغ حمدي، وكان من المفترض أن تؤديها ليلى مراد ضمن إحدى أسطواناتها الجديدة. وبحسب الروايات، كانت قد بدأت بالفعل تسجيل المذهب، وأبدت إعجابها الكبير بالأغنية.
لكن كيف انتقلت الأغنية إلى عبد الحليم؟
تتعدد الروايات حول تلك اللحظة المفصلية. إحدى أشهر القصص تروي أن عبد الحليم حافظ التقى صدفة ببليغ في استوديو الإذاعة، وسأله عن سبب وجوده، فأخبره بليغ أنه بصدد تسجيل أول ألحانه مع ليلى مراد. طلب منه حليم أن يسمعه اللحن، فأعجب به وطلب أن يؤديه بنفسه ويضمه إلى فيلمه القادم "الوسادة الخالية". بليغ أخبره بأن الأغنية تعاقدت عليها ليلى، لكن حليم أصر وطلب منه أن يتوسط لديها للتنازل عنها.
المفاجأة أن ليلى مراد وافقت بكل رحابة، وأرسلت رسالة رقيقة تُعلن فيها تنازلها الكامل عن الأغنية، معربة عن احترامها الكبير لموهبة عبد الحليم ومقارنة بداياته ببداياتها في ظروف متشابهة.
رواية أخرى تفيد بأن حليم سمع اللحن من إسماعيل الحبروك قبل ساعات من موعد بروفة التسجيل مع ليلى، فطلب لقاء بليغ، وأخبره بأنه حصل على موافقتها مباشرة، لكن بليغ أصر على الاتصال بها للتأكد بنفسه من قبولها ورغبتها في التنازل.
دور سينمائي ليس له أيضًا
جاء مشهد "تخونوه" في فيلم الوسادة الخالية عام 1957 في لحظة درامية مؤثرة، حيث يجلس صلاح -بطل الفيلم الذي يجسّده عبد الحليم- في أحد الملاهي محاولًا نسيان سميحة، التي خانته وتخلّت عنه، ليغني الأغنية التي اختزلت مشاعر الغدر والانكسار.
ومن المفارقات أن المخرج صلاح أبو سيف لم يكن مقتنعًا بترشيح عبد الحليم للدور في البداية. فبرأيه، كان الدور يتطلب شابًا قوي البنية، ولم يكن يرى ضرورة لأن يؤدي مطرب دور البطولة. لكن عبد الحليم أقنعه بأن الغناء ليس حكرًا على المطربين، بل هو جزء من الحياة اليومية للمصريين، حتى لو لم يُتقنوه.
نجاح الأغنية والفيلم أثبت أن عبد الحليم كان على حق. لم تكن "تخونوه" مجرد أغنية ناجحة، بل كانت بداية واحدة من أنجح الشراكات في تاريخ الغناء العربي.
أما ليلى مراد، فقد اختارت بعد سنوات الاعتزال، وذهبت شائعة مشروع فني يجمعها بعبد الحليم إلى الأدراج، تاركة "تخونوه" شاهدة على لقاء لم يحدث، وشراكة كُتبت لعبد الحليم حافظ وبليغ وحدهما.