تُشكل الهوية الفنية عنصرًا هامًا في تشكيل مسيرة أي فنان. كثيرون ناجحون لكنهم لا يمتلكون الرؤية الواضحة. أما محمود العسيلي، فكان مختلفًا عن السائد منذ طلَّته الأولى.
"صيف عسيلي 2025" أحد الألبومات القليلة هذا الموسم التي تحمل فكرة متكاملة وتوجه موسيقي واضح، شعاره: لا صوت يعلو فوق الرقص!
يتضح ذلك بداية من الاسم، فبدلًا من تصدير إحدى الأغاني كعنوان، اختار تصدير "الفكرة". ثم جاءت الأغنيات الست متناغمة تمامًا مع الاسم؛ إذ تتنقل بين شكلين موسيقيين راقصين هما المقسوم الشرقي والإيقاعات الإلكترونية.
"ضلمة"
يفتتح عسيلي ألبومه بأغنية "ضلمة"، من كلمات تامر حسين وألحان محمد يحيى وتوزيع أسامة الهندي. ثلاثي يمتلك خبرة كبيرة في صناعة الهيتّات، لهذا لم يكن غريبًا أن تعتمد الأغنية في بنائها الشعري على السجع لخلق جرْس موسيقي متكرر في الجملتين اللحنيتين الرئيسيتين، مثل "فرفشنا وعيشنا" و"خفيف ولطيف" و"عَكَّر وسُكَّر"، بينما صاغ الموزع أسامة الهندي توزيعًا من قالب المقسوم الصاخب بأصوات سينثيسايزر متنوعة.
"سلام سلام": اقتباسات أم صدفة؟
في "سلام سلام"، ثاني أغاني الألبوم، يؤكد محمود العسيلي على تجربته الراقصة عندما يقدم تراك تكنو للموزع وشريك رحلته علي فتح الله، الذي قدم له من قبل هيتَّات من نفس اللون أشهرها "يا حلم بعيد".
الأغنية من كلمات تامر حسين، ولحن العسيلي الذي يبدأها بجملة لحنية تُذكّرنا بمطلع أغنية "بلاش الملامة" لخالد سليم، حيث يقول "دنيتي احلوّت ليه عن الأول/ كل ليل طوّل بينا نفسي يطوِّل" التي لم تختلف لحنيًا عن جملة "اهدى يا قلبي.. اهدى واستنى/ حلم ده ولَّا.. ولَّا بتمنّى" في أغنية خالد سليم.
لم تكن روح "بلاش الملامة" هي الوحيدة الحاضرة داخل الأغنية فقد وضع الموزع علي فتح الله فاصلًا موسيقيا بمزمار اليكتروني بدا وكأنه نسخه من الفاصل الموسيقي الشهير في أغنية "متروحش بعيد" للطيفة.
يظهر الملحن عزيز الشافعي في ثالث أغنيات الألبوم بلحن من مقام النهاوند في أغنية "حبيبي وانت جمبي" التي كتبتها منة عدلي القيعي ووزعها أسامة الهندي.
لحن طربي عذب يبدأ بجملة تعبر عن الدهشة بلقاء شخص مختلف (فيك شيء غريب مقابلتوش من زمان/ أصل القبول ده بتاع ربنا). صحيح أن البداية ذكّرت الجمهور بأغنية العسيلي الشهيرة "ولد رسام"، لكن الشافعي ينتقل إلى جملة لحنية ثانية من نفس المقام في مقطع ( بتصالحني حبّة حبّة إنت ع الليالي/ طبطبتك عليّا تخلي الدنيا حنينه). واختار الموزع صياغة موسيقية من قالب المقسوم بروح يونانية واضحة في صولو البزق المستمر طوال الأغنية وجملة الفاصل الموسيقي.
بصمة عادل إمام
رابع أغنيات الألبوم جاءت من وحي "إفيه" شهير للفنان عادل إمام في مسرحية "الزعيم"، حيث صاغت منة القيعي فكرة أغنية "أحب اللي يحبك" وهي تقول (ده أنا بحبك وأحب اللي يحبك/ وأحب اللي قاعد جنب حد بيحبك/ وأحب اللي يعمل نفسه مبيحبكش وهو من جوّاه في حتّة بتحبك).
بينما قدم عزيز الشافعي لحنًا طربيًا ينطلق من مقام النهاوند صاغه الموزع توما في قالب المقسوم المصري بفاصل موسيقي من البزق جنح بالأغنية إلى الروح اليونانية أيضًا.
إيش: الغزل الصيفي
في خامس أغنيات الألبوم، "إيش"، يعود العسيلي ليستنسخ تجربته في أغنية "الساحل" عندما استعان بصوت فتاة تقول "حبيبي إنت هنا في الساحل" بلهجة خليجية، وعرفنا فيما بعد أنها زوجته "نوف قمصاني" التي تأتي هنا لتضع صوتها أيضًا في عبارة "إيش .. بتكلمني كدة ليش؟".
تدور فكرة الأغنية حول شاب يغازل فتاة قابلها في أحد أماكن السهر، فيدعوها للتواصل عبر السوشال ميديا. صاغ الشاعر فلبينو، أحد أشهر كتاب أغاني المهرجان، الأغنية من مفردات طازجة مثل (طب أعمل فولو وانتي فولو باك)، ولم تخلُ من خفة ظل واضحة في مقطع (تعرفي حدّ في المرور/ يرخَّص قلبي باسمك بس/ والرخصة سارية 3 شهور)، في إشارة لكونها علاقة لن يتجاوز عمرها أشهر الصيف.
قدَّم إيهاب كلوبيكس، موزع المهرجانات المعروف، توزيعًا من قالب المقسوم المشحون بتركيبات
سينثيسايزر صاخبة وفواصل موسيقية أقرب لأصوات أبواق السيارات.
ألماظ: استمرار الحالة الراقصة
يختم العسيلي ألبومه بأغنية "ألماظ" التي تؤكد استمرار الحالة الراقصة على إيقاعات بيت إليكتروني من توزيع كلوبيكس وكلمات فلبينو، ولحن العسيلي.
رغم ميل الأغنية إلى الموسيقى الإليكترونية فقد بدأها العسيلي بغناء هاديء في شكل كورال متعدد النغمات. ثم دخل الـبِيت منسجمًا مع لحن من جملتين؛ واحدة في الكوبليه وأخرى تتكرر في المذهب.
أما كلمات فلبينو فجاءت أقرب لمفردات المهرجانات، مثل (يتغاظ منها القمر يتغاظ) و(عشان ألماظ لازم تتباس 100 مرة) .
صيف عسيلي 2025: ألبوم موسمي أم دعوة للرقص فقط؟
ألبوم "صيف عسيلي 2025 " لم ينل ضجة دعائية مقارنة بألبومات أخرى طُرحت في نفس الفترة، لكنه، بلا شك، واحد من الألبومات القليلة التي تحمل هوية متماسكة وواضحة الملامح والهدف، إنه ألبوم أنتجه صاحبه للرقص والفرفشة، دون النظر إلى أي شيء آخر.