في كل مرة يُسأل فيها دراجانوف عن علاقته بالموسيقى، يعود بالذاكرة إلى تسعينيات المدينة القديمة في وجدة، حيث نشأ وتكوّنت ملامح ذائقته الأولى. يروي كيف كان بائع الكاسيتات في الحي يزوده بإصدارات الشاب بلال والشاب نصرو والشاب حسني، ليشكلوا بوابته الأولى إلى عالم الموسيقى.
في سنوات المراهقة، تطورت العلاقة وفتح الهيب هوب أمامه آفاقًا جديدة، من خلال أسماء محلية وعالمية تركت أثرها فيه. مع الوقت تحوّل من مستمع شغوف إلى صانع بيتات ثم إلى رابر ومنتج، في مغامرة طويلة بدأت تفاصيلها حين شارك مع صديقيه في تأسيس فرقة "The King 48"، التي أطلقت ألبومها الأول "سيستم دولة" عام 2008.
بدايات دراجانوف
كل ما جاء بعد ذاك الألبوم، شكّل الأساسات التي قامت عليها مسيرة دراجانوف. قرر أن يشق طريقه بنفسه، فاستأجر مكانًا فارغًا وحوّله إلى استوديو، اشترى معداته تدريجيًا، وبدأ مرحلة تجريب طويلة. كان شغفه بالإيقاع وصوت الطبول واضحًا، واستلهم الكثير من الدقة المراكشية.
علّم نفسه بنفسه وتبادل الخبرات مع من حوله، إلى أن أنتج أول تراك "غنبقا ليك" للرابورة قرطاس نسا عام 2014. حتى صار فنانون من مختلف مناطق المغرب يقصدونه في مدينته وجدة، رغم بُعدها ساعات طويلة عن العاصمة، للحصول على بيتات من توقيعه.
في العام نفسه، فاز دراجانوف بجائزة "جيل موازين" في الرباط، وهي محطة أكسبته شهرة محلية لافتة ومهّدت لانطلاقته الأوسع. بدأ بعدها العمل على ألبومه الأول "إخسوس" الذي صدر عام 2016، وجاء بمثابة إعلان صريح عن دخوله ساحة الراب المغربي كلاعب أساسي. حمل الألبوم تعاونات مع عدد من المنتجين، لكن بصمة دراجانوف بقيت واضحة، خاصة من خلال صوت السنث الجاف والقوي في تراك "نجومي بالليل".
الاستلهام من الجنرات المحلية
امتدت مسيرة دراجانوف على مسارين متوازيين، كان الأول قدرته المبتكرة في الإنتاج، حيث يصنع بيتات يستلهم صوتها من بيئته وثقافته وتراثه. أما الثاني، أسلوبه في كتابة البارات، بتدفق متجدد وكلمات حادة تُثبت براعته كشاعر غنائي.
كما أثارت قدرات دراجانوف الصوتية واهتمامه بالتلوين الغنائي تساؤلات: لماذا لم يغنِ الراي؟ تجاهل السؤال في البداية، لكنه لاحقًا عاد إلى جذوره، وأدخل الراي بشكل طبيعي في أعمال. كما في تراك "تلت سقاقي" الذي حمل اسم الحي الذي نشأ فيه، ضمن ألبومه "كولورز" سنة 2021.
في هذا الألبوم، أَولى دراجانوف أهمية كبيرة للإخراج البصري، فأصدر كل التراكات مصحوبة بفيديوهات ملوّنة صُوّرت بلقطة واحدة. حمل الإنترو تعاونًا لافتًا مع فنان الغناوة حميد القصري، الذي ظهر حاملًا السنتير ليغني التراك بإيقاعات الغناوة.
في 2023 تعاون مع جمال هاكو على إخراج كليب "عدابي"، الذي يمكن اعتباره واحدًا من أقوى كليبات المشهد المغاربي في ذلك العام. تدور فيه الكاميرا بانسيابية لتكشف عن الممثل رفيق بوبكر وشخصيات متنوّعة، تتحرك على وقع الإيقاع الجارف والبارات القاسية، مثل: "الشاب حسني في الفينيل / وأنا صبرت طال عذابي سنين".
والجدير بالذكر أنها تحتل المرتبة 12 على قائمة أعلى 50 هيب هوب ولم تغب عنها طوال 34 أسبوعًا متتاليًا، وسبق لها أن ظهرت لأسابيع على هوت 100، وأدخلت اسمه إلى قائمة 100 فنان.
غاب دراجانوف بعد "عدابي" لمدة عام تقريبًا، ثم عاد بألبوم قصير جريء في مايو/ أيار 2025، ضم أغنيتين فقط: "أقراص" و"سايكو"، صدرتا في فيديو كليب واحد. يغوص من خلالهما في مواضيع الصحة العقلية، رحلة التعافي، والصراعات الداخلية. كرر تعاونه مع جمال هاكو، في مشاهد تعكس روتين الحياة وضغطها، مع إشارات إلى أثر الأدوية النفسية والعلاج الكيميائي.
ومع "أقراص x سايكو"، يبدو أن دراجانوف لا يزال في رحلة بحث لا تنتهي، يغوص فيها أعمق في نفسه كما في موسيقاه. بعد أكثر من عقد على انطلاقته، نجح في رسم مسار فني متفرّد، يجمع بين الجذور والتجريب، بين الإنتاج الغني والكلمات الصادمة، وبين الراي والهيب هوب والغناوة.
*تم تحديث هذا المقال بعد نشره للمرة الأولى بعدما أطلق دراجانوف إصداره الموسيقي الأخير "أقراص x سايكو" في مايو 2025