فنجان في الأغنية: كيف تحولت القهوة إلى بطلة في الحكايات الغنائية؟

يُحتفى باليوم العالمي للقهوة في الأول من أكتوبر من كل عام، تقديرا لمشروب تجاوز كونه مجرد عادة يومية، ليصبح رمزًا ثقافيًا وعاطفيًا يجمع بين مختلف الشعوب والثقافات. فالقهوة بكل أشكالها ونكهاتها، تُعد من أكثر المشروبات رواجًا حول العالم، كما أن حبوبها من بين أكثر السلع تداولا عالميا

لم تسلم القهوة من سحر الشعراء والفنانين بل أصبحت حاضرة في قصائد وأغنيات كثيرة، منها ما كتبه محمود درويش في رائعته "أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي" التي غناها مارسيل خليفة لتتحول القهوة إلى رمز للدفء والحنين. وبين الذكريات والمواقف العاطفية وتفاصيل الحياة اليومية استقرت القهوة كبطلة صامتة في كثير من الحكايات

في هذه القائمة، جمعنا لكم مجموعة من الأغاني التي ذُكرت فيها القهوة ليس كخلفية عابرة بل كعنصر لا تكتمل القصة إلا بوجوده وكأنها إحدى شخصيات الرواية الرئيسية

في أغنية "فاضي شوية" الصادرة ضمن ألبوم "مولود سنة 80"، يرسم حمزة نمرة مشهدا بسيطًا لكنه عميق في دلالاته، حيث يحاول أن يفضفض لصديق قديم التقاه بعد انقطاع داعيا إلى تجاوز العتاب واللوم واستبداله بلحظة نقاء وإنسانية. تأتي اللازمة الشهيرة في الأغنية لتلخص هذا المزاج: "فاضي شوية / نشرب قهوة في حتة بعيدة / اعزمني على نكتة جديدة / وخلي حساب الضحك عليا".

تتحول القهوة هنا من مجرد مشروب إلى طقس من طقوس الصلح والود، إلى مساحة صفاء ذهني واحتفال صامت بدفء اللقاء بعد الغياب. فجلسة القهوة في هذا السياق ليست فقط وسيلة للحديث بل ملاذ آمن للهروب من ضجيج الحياة وفرصة لإعادة ترميم ما كاد أن يُنسى من روابط إنسانية.

في عام 2020 وضمن ألبومها "صاحبة رأي"قدمت إليسا أغنية "قهوة الماضي" من كلمات سهام الشعشاع وألحان محمد رحيم وتوزيع كميل الخوري لتُضيف إلى أرشيفها الغنائي لحظة شعورية رقيقة تستحضر فيها القهوة كجسر بين الحنين والزمن الضائع.

في هذه الأغنية لم تكن القهوة مجرد تفصيلة عابرة، بل رمزًا للذكريات التي لا تزال حية رغم الفُراق، ورغبة في استعادة لحظة حب ضائعة لم يُكتب لها الاستمرار، تقول إليسا:"وطلبت إشرب قهوة الماضي معك / مثل اللي قلبي ما بحياته ودعك".

هنا تتحول القهوة إلى أداة استدعاء عاطفي تتقاطع فيها الذكرى مع الحنين وتغدو شاهدا صامتا على حب لم يكتمل لكنه لم يُنسى

 شاركت عبير نعمة عام 2006 في ألبوم "خطيرة" للموسيقار شربل روحانا من خلال أغنية تحمل عنوانًا سلسًا، لكنه عميق الدلالة، وهي من كلمات جاد الحاج.

منذ اللحظة الأولى ترسم الأغنية مشهد بصري حي، وكأنها صفحة من قصة ترويها عبير بنبرة دافئة وحميمة حيث تقول بخفة: "قلتلي جاي زيارة / حطيت الركوة عالنار" والركوة هنا وهي الكنكة المستخدمة لتحضير القهوة، ليست مجرد أداة بل رمز لبداية اللقاء ولطقس اجتماعي عميق الجذور في الثقافة الشعبية.

وتابعت عبير بعدها "بردت قهوتنا وناموا أهل الحي" في جملة تختزل مرور الوقت وخفوت الوهج ليس فقط في فنجان القهوة بل ربما في العلاقة نفسها.

في أغنية "قهوة وداع" التي صدرت بكلمات أحمد بن ظاهر وألحان أحمد الهرمي، يُقدم حسين الجسمي أغنية درامية حزينة، حيث تتحول القهوة إلى رمز أخير للفُراق وإلى طقس صامت يرافق لحظة الانفصال المؤلمة.

الأغنية تمضي في سرد شعوري هادئ لكنه مثقل بالانكسار إلى أن يبلغ الجسمي ذروتها في الجملة الأخيرة: "تعال أضيفك قهوة وداع وهز فنجالك". وهي عبارة تختصر كل ما لا يُقال وتُضفي على القهوة طابعًا جنائزيًا رمزيًا -إن جاز التعبير- كأنها فنجان يُرفع احترامًا لنهاية علاقة لا لبدايتها.

في عام 2021 قدم آدم أغنية بعنوان "رابع فنجان قهوة"من كلمات تامر حسين وألحان عزيز الشافعي، ليضيف إلى أرشيف الأغنية العربية نموذجًا آخر لاستخدام القهوة كرمز شعوري.

يبدأ آدم الأغنية بمشهد يومي بسيط لكنه مثقل بالترقب والتوتر إذ يقول:"كده رابع فنجان قهوة / وتالت كباية شاي / وبفكر فيك يا حبيبي / حتجنن رايح جاي". القهوة هنا ليست طقسًا من طقوس الراحة بل وسيلة للتنفيس عن القلق، كثرة تناولها لا تعبر عن استمتاع بل عن محاولة لملء الفراغ وقتل الوقت ومواجهة الوحدة التي تركها الغياب.

ترتبط أغنيات فيروز في الوجدان العربي ارتباطًا وثيقًا بطقس صباحي شبه مقدس: فنجان القهوة وصوتها الرائق، وكأن الحالتين لا تكتملان إلا ببعضهما. لكن علاقة فيروز بالغناء عن القهوة لا تقف عند هذا الطقس المجتمعي فقط بل تجلت بشكل مباشر في أغنية "في قهوة ع المفرق" التي قدمتها مع الأخوين رحباني.

تبدأ الأغنية بجملة شعرية مشهدية تقول فيها:"في قهوة عالمفرق / في موقد وفي نار / نبقى أنا وحبيبي نفرشها بالأسرار".

هنا لا تمثل القهوة مجرد مشروب صباحي بل تتحول إلى مساحة حميمية للبوح واللقاء، إلى مكان ينضج فيه الحب على نار هادئة، فيروز بصوتها الرقيق لا تصف جلسة عادية، بل تُصور مجلسا للعشق حيث القهوة شاهدة على لحظات الضعف والصدق والمكاشفة.