بعد ألبومه الأخير "مسلسل ترك"، يعود ترك بأغنية "دبكة" والتي نسمع فيها دمج جديد بين نبض الدبكة الشامية وطريقة الإنتاج التي نسمعها في مشهد الهيب هوب المصري، والتي قد تكون مماثلة لما شهدناه سابقًا في تهجين المهرجانات بأسلوب التراب الشعبي.
تقدم الأغنية تجربة موسيقية هجينة، تجمع بين إيقاعات دبكة مستوحاة من الطبول التقليدية، ومعالجة إلكترونية حديثة، ما يمنحها جاذبية فورية ويبرز قدرة ترك على استكشاف مساحات جديدة في الأداء والموسيقى.
تمهيدات سبقت هذه التجربة
ترك لم يأتِ بهذه الخطوة بشكل عشوائي، فالأغنية تأتي بعد سلسلة من التجارب التي أكسبته القدرة على توظيف عناصر محلية بطريقة عصرية، في إصدارات مثل "إيه كمان" و"شد في طرفه" وصولًا إلى ألبومه الأخير.
في المقابل، شهد المشهد المصري مؤخرًا ميلًا للاستفادة من الإيقاعات الشامية، كما ظهر في تجارب أخرى مثل أغنية "ولا مين" لـ زياد ظاظا وليجي-سي والتي أنتجها كينغو بالتعاون مع إسماعيل نصرت. إلا أن ترك يذهب بخطوته الخاصة إلى استحضار روح الدبكة الشامية مع دمج إلكتروني متقن، معتمدًا على إنتاج كينغو منفردًا هذه المرة.
الأداء الموسيقي والكليب
جاء إيقاع أغنية "دبكة" متنوعًا ومتجددًا، محافظًا على عمق الدبكة الشامية من خلال صوت الطبل، وفي الوقت نفسه منفتحًا على مساحة الحرية التي يوفرها الدمج الإلكتروني ضمن التركيبة. يقدم ترك بصوته الأوتوتيوني أداءً غنيًا بالتعابير، ينقل مشاعره تجاه الحب والعلاقات بشكل رقيق وحيوي، مع الحفاظ على انسيابية الأداء بحيث تصبح الجملة اللحنية مقروءة وسهلة التلقّي لدى المستمع.
تحمل كلمات الأغنية طابعًا غزليًا بسيطًا ومباشرًا، لكنها متناسقة تمامًا مع الإيقاع الراقص، ما يجعل الأغنية مناسبة للتكرار والاستماع المتعدد.
يعكس الكليب روح الأغنية بطريقة مبتكرة تتجاوز الفيديوهات التقليدية للدبكة، وقد أخرجه ترك بنفسه، حيث يتحرك بانسجام مع الإيقاع، وكأن كل خطوة تعكس مزيجًا من الحنين والندم والرغبة في التجدد. يضيف القناع المزيّن برؤوس دمى بعد بصري ممتع على شكله، ليصبح جزءًا من التعبير العاطفي للأغنية.
حكم أولي
تترك الأغنية انطباعًا بأنها نُفذت بطريقة مدروسة بعناية، والجرأة في مزج الدبكة مع طريقة الإنتاج المعاصرة جاءت ضمن رؤية واضحة، وليس بشكل عشوائي. الأداء الموسيقي والكلامي متناسقان، والتجربة تثبت قدرة المشهد المصري على استيعاب عناصر موسيقية مستوحاة من بلاد الشام وتطويرها بأسلوب مختلف وعصري.
يمكننا القول أن "دبكة" أغنية حيوية، حيث التجريب والابتكار يظهران في نطاقهما الصحيح، ويبرز العمل قدرة ترك وكنغو على توظيف التراث الشعبي ولو كان من بلد آخر ضمن رؤية جديدة تجذب المستمع وتبعده عن التكرار والملل الذي قد يطغى على البوب التقليدي أو حتى الهيب هوب.