مثلت رحلة وائل كفوري الفنية واحدة من الرحلات المميزة بمنطقة الشام والوطن العربي، فقد استطاع ابن مدينة زُحلة أن يقدم تجربة هي ابنة بيئتها، منذ ألبومه الأول "شافوها وصاروا يقولوا"(1994)، مخترقًا حواجز لبنان إلى قواعد جماهيرية أوسع في وقت مبكر. منذ ذلك الحين قدم لنا العديد من الأغاني الشهيرة مثل "أخدت القرار" (1996) و"مين حبيبي أنا" مع نوال الزغبي (1996)، و"بحبك أنا كتير" (2004)، و"حكم القلب" (2010) و"الغرام المستحيل" (2014).
بصوته العميق وقدرته الاستثنائية على المزج بين الشجن والقوة، أصبح كفوري أحد أعمدة الأغنية اللبنانية العاطفية في زمن كانت فيه المنافسة شديدة بين اللهجات والأنماط الموسيقية. ما ميَّز تجربته هو الثبات الفني؛ فقد عمل على تطوير أسلوبه الخاص، الذي يقوم على مزيج من الرومانسية الطربية والأغنية الشعبية القريبة من الناس.
في هذه القائمة القصيرة يختار كتاب بيلبورد أقرب أغاني وائل كفوري إلى قلوبهم.
تبكي الطيور
رغم أن وائل كفوري اشتهر بتقديم أغنيات الحب والرومانسية، إلا أن قدرته الاستثنائية على تجسيد الألم والفقد تجعله أحد أبرز الأصوات التي تنقل الحزن بشكل حقيقي وعميق. يتجلى هذا بوضوح في أغنية "تبكي الطيور" التي كتب كلماتها الأمير تركي السديري ولحنها سلامة شاهين لتكون واحدة من أبرز محطات وائل وأكثرها تعبيرًا عن وجع الفراق.
منذ اللحظة الأولى يدخل وائل الأغنية بآهات جبلية عالية صادحة بالألم، وكأنها صرخة من قلب مكسور. يتنقل بين القرار والجواب بسلاسة مذهلة ويضيف لمسات من العُرب التي جاءت في مكانها تمامًا مما يعزز صدق الأداء.
يأتي الكورال بعدها ليردد اللازمة :(أجمع جروحي / همي ونوحي / أسهر ليالي / وهو ينام) فيكررها كفوري بصوته كما لو كان يؤكد على حقيقة هذه الكلمات، قبل أن ينفجر بعدها في المقطع الأخير بصوت مرتفع يصف أوجاعه بعمق: (همي كبير/ كبر الجبال/ جرحي عميق/ عمق البحار)
لكن ذروة الألم تأتي حين يعود إلى اللازمة بصوت منكسروكأنه يعترف بهزيمته أمام الحزن، ويتركنا كمستمعين في حالة وجدانية مشحونة بالعاطفة، الأمر الذي يجعل الدموع جزءًا طبيعيًا من لحظات الاستماع.
البرنيطة
تمثل أغنية "البرنيطة" علامة بارزة في مسيرة وائل كفوري الفنية، إذ صدرت عام 1996 ضمن ألبومه الثاني "بعد السنتين". كتب كلماتها الشاعر نزار فرنسيس ولحنها سمير صفير، وقدمت الأغنية تجربة موسيقية غنية تجمع بين الرومانسية العاطفية والأسلوب الغنائي اللبناني المعاصر.
تدور كلمات الأغنية حول لقاء بين عاشقين بعد فراق دام سنتين، حيث تتداخل مشاعر الشوق والعتاب والحنين، فتنتقل بالأغنية من شعور الفراغ والانتظار إلى فرحة اللقاء المفاجئ. ويُبرز أداء وائل كفوري الصوتي المرونة والعمق العاطفي، بينما يعكس اللحن تصاعد المشاعر وتدرجها بشكل يجعل المستمع يعيش تفاصيل اللقاء وكأنها أمامه مباشرة.
تميزت الأغنية بتوازنها بين الكلمات المعبرة، اللحن المتدرج، والإيقاع المعتدل، ما جعلها من الأغاني الكلاسيكية التي حافظت على شعبيتها حتى اليوم.-
ما صدقت عيوني (موّال)
صدرت الأغنية عام 2004 ضمن ألبوم "قرّب لي"، وهي من ألحان الفنان ومن كلمات سمير نخلة.
في هذه الأغنية، يفتح وائل جرحًا عاطفيًا كأنّه كتاب حياة انقلبت صفحاته فجأة. يبدأ بدهشة موجوعة: (ما صدّقت عيوني/ هي إنتِ؟/ لأ، مش إنتِ/ فكّرتن خانوني/ بس طلعتي إنتِ).
ثم ينتقل إلى التفاصيل الصغيرة التي كانت يومًا رموزًا للحب، فإذا بها تتحوّل إلى ذكريات مؤلمة: (هيدا شعرك اللي حبيته/ إخترتله لونه ونقيت/ وهيدي البلوزة الكحليّة/ والساعة اللي جبتلك هيّ).
بعدها يواجه مرحلة الغضب والخذلان التي ترافق الفقد عادة، فيعترف بما ضاع من وقته وعمره في حب لم يصمد: (كرمالك وقتي ضيّعته/ كرمالك عمري لوّعته). ومع تقدّم النص، تتصاعد نبرته نحو إدراك أعمق لحقيقة الانكسار، وتتحوّل الأغنية إلى مواجهة صريحة مع الألم.
ككل، ترسم "ما صدّقت عيوني" صورة مكتملة لمراحل الفقد العاطفي، متنقّلة بين الصدمة والإنكار واستحضار التفاصيل والغضب والخذلان، وصولًا إلى التقبّل المرّ. هي أغنية تجسّد رحلة نفسية متقلبة، تعكس الحبّ بكل أبعاده وتناقضاته، وتحوّله إلى حالة شعرية.
مزعل كل البنات
خلال مسيرته الطويلة، نجح وائل كفوري في تقديم أغاني ومواويل الضيعة اللبنانية الجبلية، كما قدم أيضًا أغاني البالاد الرومانسية في البوب الشامي، وبينهما هناك محطات لا تشبه سواها، تشكّل حالات خاصة في مسيرته، من بينها أغنية "مزعل كل البنات"، الصادرة ضمن ألبوم "سألوني" عام 2000، كأغنية تتوسّط هذين النوعين الموسيقيين اللذين برع وائل كفوري في تقديمهما.
الأغنية من كلمات سمير نخلة وألحان وسام الأمير. وهي ليست بالبالاد العاطفي الخالص، ولا بالأغنية الجبلية، بل مزيج من الاثنين معًا: فيها اندفاع الأغنية الجبلية بالبداية، حين يكرّر "ويلي ويلي ويلي ويلي" بأداء يستحضر ألوان الغناء الشعبي، وفيها رقّة البالاد حين يتبعها باعتراف مكسور: "ما كنتي تردي عليي".
وفي هذا المزيج الخاص، تبرز "مزعل كل البنات" ليست فقط كأغنية هيت، تصلح للرقص والغناء الجماعي، بل كأغنية تكشف عن مهارة وائل في الإمساك بالخيط الرفيع بين الرقة والقوة. الكلمات تبدو بسيطة، لكن أداءه الصوتي يجعلها أكثر عمقًا.
بيحنّ
"بيحن"، الأغنية الرئيسية من الألبوم الذي يحمل اسمها، الصادر عام 2008، واحدة من كلاسيكيات أغاني وائل التي تتناول الندم على بذل المشاعر تجاه من نحبهم فيجرحوننا.
الانتقال بين نماذج الحنين المتنوعة المستمدة من الطبيعة والعلاقات العاطفية وجلسات السمر وغيرها أعطى مساحة لاستعمال لازمة "بيحنّ" بشكل متكرر ملفت للأُذن دون أن نشعر بأي ثقل. التوزيع، المعتمد على الطبول الضخمة والكمان الأوركسترالي في مواجهة أداء وائل الهادىء، عبَّر عن حالة الغضب المكتوم، التي أوصلته إلى رفض العودة لحبيبه السابق تحت أي ظرف. الأغنية من كلمات منير بوعساف وألحان ملحم أبو شديد.