رغم إصداره لعشرات الهيتات الضخمة طوال العشر سنوات الماضية، وقد تجاوز العديد منها حاجز المئة مليون استماع عبر السنوات، إلا أن تجربة النجم العراقي سيف نبيل مع الألبومات كانت متواضعة حتى الآن، ولم يقدم أية ألبومات طويلة متكاملة حقيقية.
لذا شكّل إعلانه عن ألبوم طويل بعنوان "The Collection" حدثًا مفاجئًا، تركنا في ترقب لما نمكن أن نسمعه. أما صدوره دفعةً واحدة فكان المفاجأة الثانية، التي أكدت أن سيف نظر لهذا المشروع كـ "مجموعة" متكاملة فعلًا، ولم يبحث عن تقديم أحد أغانيه على الأخرى، أو الخروج بهيت أو اثنين منها.
سمعنا الألبوم كاملًا بشكل متواصل طوال الأيام الأربع الماضية، لنضع لكم هذا الترتيب لأغنية العشرة، من الأضعف للأقوى:
فوضى
تتنقل الأغنية بين مقاطع وتوزيعات تنضبط على إيقاعات متنوعة وجذّابة، لكنها بالفعل وكما يقول عنوانها تبدو في حالة "فوضى"، ويصعب التقاط جملة نغمية واحدة متكاملة فيها لتعلق في الرأس. حتى الكلمات بدت في حالة فوضى، حيث تعتمد تعتمد بعض المقاطع على أربع كلمات فقط على القافية، تليها مقاطع أطول نسبيًا لكن كلماتها مكررة. وكلل، تنقضي الأغنية دون أن نشعر برغبة لتكرارها.
فريدة
لربما كانت أغنية "فريدة" من أقل المحطات تأثيرًا في ألبوم سيف نبيل رغم كونها من كلماته وألحانه وتوزيع تيام. تدور الأغنية في فلك الغزل حيث يتغزل بحبيبته واصفًا إياها بـ"الفريدة"، وهي كلمة تحتمل معنيين إما كونها متفردة واستثنائية أو إشارة إلى اسمها الشخصي.
ورغم هذا اللعب اللغوي البسيط تبقى الكلمات عادية ولا تحمل العمق أو التفرد الذي يُنتظر من عمل يحمل هذا العنوان. حتى اللحن بدا مألوفًا وغير مبتكر ولم ينجح في شد الانتباه أو دفع المستمع لتكرار التجربة. بل إن بعض المقاطع حملت نبرة حنان وخفة تشبه ذلك الغزل العفوي الذي قد تقوله أم أو أب لابنتهما أكثر منه خطابًا عاطفيًا بين عاشقين، مما أفقد الأغنية شيئًا من صدقها العاطفي.
راسلتك
في هذه الأغنية التي حملت كلمات علي بدر ولحن سيف وتوزيع حسام الدين، يتبنى سيف دور العاشق المُبادر الساعي إلى استعادة الود ومراضاة الحبيبة التي فرق بينه وبينها الزعل، مستخدمًا عتابًا رقيقًا يلامس القلب دون أن يُثقل عليه، ويظهر ذلك في قوله:"معقولة اللي يحبك موت هسه ما يجي في بالك" وهي عبارة تختصر حجم التعلق وتضع الحبيبة أمام سؤال صادق.
ورغم تشابه اللحن نسبيًا مع ألحان سابقة وضعها سيف، إلا أنه طالما أجاد اختيار المساحات التي تليق بصوته وتُبرز دفء أدائه. لكن ما يُميز الأغنية فعليًا هو التوزيع الراقص الذي أضفى عليها حيوية محببة خصوصًا مع الفواصل الذكية للمزمار التي أضافت لمسة لافتة، ومنحت العمل نكهة خاصة تجمع بين العاطفة والإيقاع.
إم الشامات
في "أم الشامات" يتعاون سيف نبيل مع أمجد جمعة في الكلمات والموزّع فؤاد جنيد، الثنائي الذي صنع سويًا عدداً من أنجح أغاني الموجة الجديدة من البوب الشامي مؤخراً، مثل "خطية" و"علاش" مع بيسان إسماعيل. الأغنية باللهجة السورية البدوية، وهي المرة الأولى التي يجرب فيها سيف هذا اللون،.
ورغم أن التوزيع الموسيقي الذي وضعه فؤاد جنيد يبدو مكرراً، وكأننا أمام إعادة إنتاج لخلطته التي نجحت سابقًا، لكن اللحن والكلمات يلعبان دورًا متكاملًا سويًا ليقدّما أغنية شديدة الجاذبية. نسمع تركيبات لغوية جمالية وحس شاعري واضح، فيما جاء لحن سيف نبيل لافتًا ومنسجمًا مع الكلمات والجنرا الموسيقية للبوب الشامي، وتمكّن أن يضفي بصوته لمسة خاصة للأغنية، لتكون قادرة على منافسة الأغاني التي تنتمي لذات الجنرا.
ملامحي
من الأغاني العراقية الهادئة التي كثيرًا ما سمعناها في مسيرة سيف. لكن يبقى العنصر الأبرز فيها هو الكلمات التي كتبها قصي عيسى، والتي يستخدم بها لغة شديدة الشعرية لرسم سياق غزلي بعيدًا عن الكليشيهات المستهلكة بالأغنية العراقية. هنا يتم تصوير المحبوب كمحور للكون، الذي لم يعد سوى مرآةً له، فكل شيء بات يشبهه، حتى ملامح العاشق نفسه. إنها الذروة الأكثر شعرية بالألبوم دون أدنى شك.
أخذ الروح
"أخذ الروح" أغنية دافئة تشبه موج بحر، تقترب ثم تبتعد، لكن تبقى نغمتها عالقة في الأذن. تسير الأغنية على إيقاعات لاتينية رشيقة، تمنحها روحاً راقصة تناسب الأجواء الرومانسية والسهرات الدافئة. أما كلمات الأغنية فهي بسيطة للغاية، تحكي قصة عاشق سلّم قلبه بالكامل، بلا تعقيد أو استعارات ثقيلة، وبلا تعبيرات لافتة. لكن ما يميز الأغنية حقًا هو خطوط الوتريات التي تأتي مثل لمسات حريرية، تملأ الفراغات وتوازن بين الرومانسية والمرح.
آه من الشوق
فقط لو أتقن سيف نبيل اللهجة المصرية على نحو أفضل، لربما تصدرت حينها "آه من الشوق" قائمة الاختيارات هذه. لكن نطقه العراقي الثقيل يؤثر على أدائه في أول تجربة مصرية له.
لا يمنع ذلك عمومًا ملاحظة تميز الأغنية ضمن أغاني الألبوم العشر. وضع توزيعات الأغنية المبدع حسام الصعبي، الذي أعمل طوال الأشهر الماضية على أبرز هيتات فضل شاكر مثل "أحلى رسمة" و"صحاك الشوق" وغيرها. وبالأسلوب نفسه، يقدم للحن سيف نبيل توزيعات تحمله إلى مساحات جديدة، على ضربات الإيقاع الشرقي وانتظام أوتار القانون، وأصوات آلة الرق التي تُحلّي الجمل الموسيقية المختلفة.
يا مهيوب
جمعت أغنية "يا ميهوب" بين كلمات إيثار محمد ولحن سيف نبيل نفسه وتوزيع حسام الدين. أغنية عراقية اللحن والكلمات، ثم جاءت اللمسة الجريئة بنظم توزيعاتها على إيقاعات الدبكة الشامية، رغم أن العراق يمتلك إيقاعات الدبكات الخاصة به، لكن المزيج العراقي/ الشامي هنا بدا مقصودًا ونُفّذ بغاية الإتقان.
الأغنية تحمل طاقة غزلية ساحرة بمفردات تُشعر المحبوبة بقوة هذا الحب ودفئه، حيث يتحول الغزل هنا إلى احتفال لا مجرد وصف. حتى سيف في الكليب البسيط الذي رافق الأغنية، نجح في ترجمة هذه الحالة فظهر راقصًا بفرح طفولي وكأننا نقفز معه داخل قلبه لنعيش نشوة الحب العفوي. ويظهر هذا الشعور المتدفق بوضوح في عبارة مثل: "يا عمي حقك تتباها / فدوات لعينك محلاها".
يمكحله
اختتم سيف نبيل الألبوم بأغنية أخرجتنا من كل الأجواء السابقة ووضعتنا في منتصف حلقة الـ "هوسة العراقية". من تعلق بصوت سيف نبيل في بداية حقبة نشاطه الفني في العراق، سيتعلق على نحو خاص بهذه الأغنية وتعابيرها ذات اللهجة العراقية الثقيلة، وتوزيعاتها الإيقاعية المولدة عبر الكيبورد، كلنها تحمل ما يكفي من روح التراث العراقي.
"يمكحلة" من الاستثناءات القليلة في الألبوم التي لم يلحنها سيف بنفسه، بل أخذ من ألحان ثائر حازم، التي لم تتعارض حيويتها الهائلة مع رقة التعابير الغزلية التي كتبها كرار الحلفي، كما في جمل: "يمكحله يمحجله/ يلديرم الشفه عسل/ عطرچ اذا شمه الورد/ داخ بحالته وخجل".
عم جن
المؤكد أن "عم جن" كانت أكثر محطات ألبوم سيف نبيل رقةً ورومانسية. فهي تقوم على خطاب عاطفي مباشر، يصف حالة الغرام الطاغي والانجذاب الكامل إلى الحبيب بلغة بسيطة أقرب إلى البوح اليومي. صوت سيف نبيل يبدو هنا مختلفًا، كأنه يغترب قليلًا في بيئة موسيقية لا تشبهه مع غائه باللهجة اللبنانية، لكنه في هذا الاغتراب يكشف عن طاقة خفية وخواص جديدة في أدائه.
الموسيقى تعزز هذه الحالة برهافة: تبدأ بخيوط ناعمة من الجيتار، ثم تتدرج النغمات في تصاعد مدروس يخلق مزاجًا رومانسيًا دافئًا، فيما يكتفي التوزيع بالحد الأدنى من الزخارف ليمنح الكلمة والصوت مساحتهما الكاملة. النتيجة أغنية بسيطة لكنها آسرة، تجعل المستمع ينجذب لتكرار لازمتها الغنائية وكأنها تعويذة حب يومية.