في أواخر عام 2023، كان مسلسل "بطن الحوت" واحدًا من أكثر الأعمال المنتظرة، بفضل طاقم تمثيلي لافت وطبيعة درامية تغوص في العوالم السفلى للجريمة على أطراف القاهرة. ومع بدء عرضه، لم يقتصر الاهتمام على القصة والأداء، بل سرعان ما لفتت الموسيقى المصاحبة الأنظار، بوصفها عنصرًا حاسمًا في تشكيل هوية العمل.
جاءت الموسيقى بتصور مختلف وغير مألوف لأعمال الجريمة المصرية، حيث مزج خالد الجابري بين الإيقاعات الإلكترونية والآلات الشرقية، مضيفًا بعدًا نفسيًا أعمق للسرد الدرامي. اللافت أن الجابري كان اسمًا جديدًا تمامًا على مشهد الموسيقى التصويرية حينها؛ مؤلف لم يسبق له العمل في السينما أو الدراما، أتى مباشرة من عالم الإعلانات التجارية، حاملًا معه حسًا بصريًا وسمعيًا طازجًا، دون التقيد بقوالب جاهزة أو قواعد مسبقة.
بعد عام واحد، عاد الجابري بموسيقى مسلسل "6 شهور"، وهو عمل ينتمي إلى عالم مختلف تمامًا. هنا، وجد مساحة أوسع للتجريب باستخدام المؤثرات الصوتية، فبنى بورتريهًا ذهنيًا لعالم شركات العقارات وطموحات الشباب العاملين فيه. اعتمد على إيقاعات سريعة وتفاصيل يومية بسيطة، مثل أصوات الهواتف والمنبهات، ليصنع تجربة خفيفة وسلسة. وأسهمت الموسيقى، إلى جانب التراكات التي قدمها ليجي-سي للمسلسل، وعلى رأسها أغنية "ولا يهمك"، في خلق حالة متكاملة حول العمل.
ومع حلول الموسم الرمضاني، وهو الأكثر ضغطًا في صناعة الدراما المصرية، تولى الجابري تأليف موسيقى ثلاثة مسلسلات تنتمي إلى جنرات متباينة تمامًا: "ولاد الشمس"، و"نص الشعب اسمه محمد"، و"عقبال عندكوا". ورغم التحدي، نجح في تقديم رؤى موسيقية مختلفة لكل عمل، ونال إشادة خاصة عن موسيقى "ولاد الشمس"، التي جاءت مغايرة تمامًا لما قدمه سابقًا في "بطن الحوت"، متجنبًا الوقوع في فخ التكرار رغم تقاطع الجنرا.
في فترة قصيرة، تحوّل خالد الجابري إلى اسم فاعل ومؤثر في مشهد الموسيقى التصويرية، قبل أن يخطو أولى خطواته السينمائية بتأليف موسيقى فيلم "درويش"، الصادر مؤخرًا هذا العام.
من اقتحامه المفاجئ للمشهد، إلى قدرته على الاستمرار والعمل تحت ضغط الصناعة، كان من الطبيعي أن نبحث عن إجابات لتساؤلات كثيرة في حوار قصير معه، نستمع فيه إلى رؤيته الخاصة لصعوده السريع وتعاطيه مع هذه المرحلة الجديدة من مسيرته.
بيلبورد عربية: كيف دخلت عالم التأليف الموسيقي للدراما؟
خالد الجابري: "أنا ببساطة كنت عامل موسيقى لإعلان تجاري والعميل رفضها، وجيه زارني صديق ليا بيشتغل مصمم إنتاج في مجال السينما والدراما فسمعتهاله و قاللي "دي حلوة جدًا"، بعدها بشهرين كلمني وقاللي ابعتهاله، وبعد أسبوعين لقيته بيقوللي أنا شغال على مسلسل والمخرج سمعته المزيكا بتاعتك وهو عايز الإتجاه ده أوي. ومن هنا ابتديت في بطن الحوت وده كان أول مسلسل.
بيلبورد عربية: كيف تعاملت مع ضغط تصميم موسيقى ثلاث مسلسلات في موسم رمضاني واحد في 2025؟
خالد الجابري: "الشغل الإبداعي بيبقى عامل زي التمرين أو الرياضة وكل ما بتتمرن أكتر بتتعلم أكتر من أخطاءك، وبتطلع نتايج أفضل. بالبلدي دماغك بتكون شغالة، فانا كنت جاهز لده، والصراحة كنت جعان شغل، وموسم رمضان ده كان مهم جدًا بالنسبالي. . بس لازم مع ضغط الشغل الإنسان يفصل من فترة لفترة عشان يسمع موسيقى جديدة، ويدخل دماغه أفكار مختلفة."
بيلبورد عربية: من أين تبدأ عمليتك الإبداعية في كل مسلسل جديد؟
خالد الجابري: "حسب ثيمة المسلسل أو موضوعه الرئيسي، هيكون في أنهي اتجاه، على أساس ده بصمم اللحن الأولي. بعد كدة بفكر في عالم الأصوات والآلات اللي ممكن استعملها. وبعد كدة بشوف لو في شخصيات بارزة في العمل الدرامي هحتاج اعملها مزيكا مخصوصة ومختلفة تبروزها في المسلسل."
بيلبورد عربية: بما أنك من الجيل الجديد من المنتجين الموسيقيين في مصر، هل فكرت في إعادة سمبلة موسيقى مسلسلات مصرية كلاسيكية؟
خالد الجابري: "هو سؤال حلو لأني مفكرتش أعمل كدة قبل كدة، بس انا بشوف إن المزيكا ملهاش حدود. حتى السامبلينج ممكن تعيد تشكيل السامبلز فيه وتحطها تحت مراحل تطوير كتير جدًا تخليها تطلع بشكل تاني خالص. حاسس ممكن تبقى فكرة كويسة، بس مش عارف إلى أي مدى نتايجها هتبقى مناسبة، بس مفيش فكرة وحشة."
بيلبورد عربية: هل استمتعت أكتر في تصميم موسيقى كان فيها الغلبة للمؤثرات الصوتية، أم الأعمال اللي استعملت فيها الالآت موسيقية أكتر؟
خالد الجابري: "معظم الشغل اللي عملته استمتعت بيه لأنه جزء من خبراتي، وأي صوت بيصدر سواء بشكل طبيعي أو مًصنّع أو من آلات موسيقية ممكن يبقى موسيقى، حتى الأصوات الغير مقصودة بشكل كامل. ممكن تبقى فكرة لصوت جديد، وده اللي الناس بتقدره لما تسمع حاجة متكونش اتسمعت قبل كده، وتكون مبتكرة مش مجرد شيء غريب وخلاص، وان النتيجة النهائية تكون في صالح العمل الفني.
بيلبورد عربية: هل ظلم التوجه نجو التأليف للمسلسلات مشروعك الموسيقي الشخصي؟
خالد الجابري: "مفيش شك طبعًا إن الشغل في الدراما والأفلام بياخد وقت كبير جدًا وبييقى في ديدلاين مرتبط بميعاد عرض، عكس الأعمال الشخصية ملهاش ديدلاين. فاللي بيتظلم في الآخر المشروع الشخصي لأنه بايدينا."
بيلبورد عربية: وما هو المشروع الشخصي الذي تتمنى أن تعمل عليه إلى جانب التأليف الموسيقي للدراما والأفلام؟
خالد الجابري: "أتمنى أشارك في صناعة أغاني، اشترك في التلحين والتوزيع، وأتعاون مع مغنيين كتير من جنرات مختلفة."






