يُصنّف فيلم "الفرح" (2009) كأحد أبرز أفلام العقد الأول من الألفية الجديدة، ليس فقط لأصالته الدرامية، بل لأنه أعاد الاعتبار لأغنية شعبية خرجت من قاع الشارع لتعتلي شاشة السينما بقوة. في هذا الفيلم، جاء مشهد عبد الباسط حمودة وهو يغني "أنا مش عارفني" كذروة درامية داخل الفيلم وخارجه، نقطة تلاقٍ بين مسيرتين فنيتين: الأولى لحمودة، العائد بعد غياب، والثانية للمخرج سامح عبد العزيز، الذي قرر كسر النمط وتقديم الشعبي كحالة إنسانية.
بالتزامن مع رحيل المخرج سامح عبد العزيز، نستعيد أثره في لحظة فنية جمعت السينما بالموسيقى، فحُفرت في الذاكرة.
خلف الكواليس: كيف وصلت الأغنية إلى الشاشة؟
في عام 2008، قرر المنتج أحمد السبكي والمخرج سامح عبد العزيز الاستعانة بعبد الباسط حمودة لأداء أغنية من ألبومه الجديد "ضربة معلم" داخل الفيلم. وكان الألبوم قد صدر في نفس العام، ممثلًا عودة حمودة القوية إلى الساحة بعد انقطاع دام تسع سنوات منذ آخر ألبوماته ليالي (1996). خلال فترة غيابه، اكتفى حمودة بالغناء في الأفراح والحفلات، مبتعدًا عن الإنتاج الموسيقي.
جاءت العودة مزدوجة: في الفيلم وفي سوق الأغنية الشعبية. عند عرض الفيلم في يونيو 2009، فاجأ الجمهور بمشهد مؤلم، يظهر فيه عبد الباسط يغني "أنا مش عارفني" على مسرح فرح شعبي، بينما يضطر بطل الفيلم للرقص رغم حدادٍ داخلي على والدته المتوفاة.
الأغنية التي كتبها الشاعر أمل الطائر وُلدت من وجع حقيقي. من أول بيت: "أنا مش عارفني / أنا تهت مني / أنا مش أنا"، تلخّص الكلمات أزمة وجودية لشخص فقد بوصلته الأخلاقية، يعتذر للعالم ولنفسه. يلوم قسوة الدنيا في جملة مثل "يا دنيا طفيتي شمعي / يا ناس كترتوا دمعي"، ويستسلم لقدره قائلاً: "كتبت الآه بقلمي/ وبرده بقول قدر". وتبلغ الأغنية ذروتها حين يصرخ عبد الباسط بتكرار الجملة الافتتاحية، وكأنّه يستحضر أوجاع الجميع.
أكثر من مشهد.. لحظة انتقالية للسينما
لم يكن الفيلم مجرد نجاح تجاري. بل أثبت السبكي وعبد العزيز أن السوق قادر على إنتاج أعمال درامية صادمة وناجحة جماهيريًا. الكادرات التي جمعت بين خالد الصاوي، باسم سمرة، وعبد الباسط حمودة، دخلت التاريخ، لا سيما مشاهد عبد الباسط مع ماجد الكدواني في دور "النباطشي".
استعانتهم بعبد الباسط كانت ذكية، لأنه يمثّل نبض الشارع الشعبي، وجاب مصر بالأفراح من العاصمة حتى أعماق الريف. كما ظهر في الفيلم أيضًا محمود الحسيني بأغنيته الشهيرة "صحاب السوء"، في تذكير بموجة الأغاني التي اجتاحت الطبقات الشعبية وقتها.
بالتوازي مع ظهوره في الفيلم، قاد حمودة عودة قوية إلى السوق الشعبي، في وقت صعد فيه نجم أسماء جديدة مثل سعد الصغير، عماد بعرور، محمود الليثي وأمينة. لكن "أنا مش عارفني" لم تعتمد فقط على الفيلم. بل حظيت كذلك بفيديو كليب مؤثر يظهر فيه عامل في مصنع بعد تسريحه، يتذكر رحلته من التخرج حتى الانهيار، في سرد بصري يعكس مضمون الأغنية.
هل كانت لحظة فارقة؟
بغياب أحمد عدوية، وتراجع حكيم، نصب عبد الباسط حمودة نفسه كرمز المرحلة، مستمرًا في الإصدارات والتعاونات مع نجوم البوب والفرق الشبابية. وكانت مشاركته في الفرح خروجًا بالأغنية الشعبية من قوالبها التقليدية، لتدخل السينما كأداة درامية، لا مجرد زينة كوميدية أو تجارية. مثال نادر تكرّر قبله فقط في أعمال قليلة، منها غناء عدوية لموال "عجبي يا زمن" في فيلم "شعبان تحت الصفر".
يرى البعض في ظهور عبد الباسط حمودة في الفيلم لحظة إعادة تقديم حقيقية له إلى جمهور جديد لم يعاصره في التسعينات، بينما يعتبرها آخرون مجرّد مشاركة في فيلم شعبي ضمن سجله الفني. لكن عند التأمل في سياق الأغنية ومكانها داخل الفيلم، لا تبدو هذه اللحظة عابرة. بل كانت واحدة من أكثر اللحظات تأثيرًا في الفيلم، سواء على مستوى المشهد الدرامي أو على مستوى علاقة الجمهور بالأغنية.