بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على صدورها، ما تزال أغنية "كلام الناس" حاضرة بقوة في مسيرة جورج وسوف وفي ذاكرة الجمهور العربي، حتى أنها عادت مؤخرًا إلى الواجهة بعدما دخل اسم الوسوف للمرة الأولى قوائم بيلبورد عربية، مدفوعًا بازدياد نسبة الاستماع لأغانيه.
من الرفض إلى القبول
في منتصف التسعينيات، كان جورج وسوف يعيش ذروة نجاحه بعد ألبومات مثل "الهوى سلطان" و"شيء غريب". وفي عام 1994، تلقى من الملحن صلاح الشرنوبي مجموعة ألحان مرسلة من القاهرة إلى بيروت، من بينها لحن أغنية "كلام الناس". لكن الوسوف لم يتحمس لها في البداية، إذ اعتاد على المقامات الشرقية الغنية بالربع تون مثل البياتي والرست، بينما لُحّنت الأغنية على مقام الكرد الذي يخلو من هذه الخصوصية الشرقية.
ورغم هذا التردد، غيّر الوسوف رأيه وسافر خصيصًا إلى القاهرة لتسجيل الألبوم. ومنذ الكوبليه الأول الذي صاغه الشاعر أحمد شتا بكلمات واثقة "كلام الناس لا بيقدم ولا يأخر"، بدا واضحًا أن النص وُلد لصوت جورج وسوف وشخصيته.
لحن عصري بروح طربية
قدّم الشرنوبي لحناً أعاد للأذهان أسلوب بليغ حمدي في الحوار بين الآلات، حيث جاء السؤال بصوت الكيبورد والجواب بصوت الساكسفون. تولى طارق عاكف التوزيع، فمزج بين الإيقاع السريع وروح الطرب، ليحافظ على معادلة بين المعاصرة والأصالة. هذا المزج ساعد الأغنية على اختراق سوق الكاسيت العربي بقوة، وجعلها في متناول جمهور متنوع بين عشاق الطرب والمتابعين للتيارات الجديدة في الموسيقى.
أثر ثقافي وجماهيري
تحولت الأغنية سريعًا إلى ظاهرة جماهيرية، وكأن المستمعين كانوا بانتظار أن تؤدى هذه الفلسفة الوجودية بصوت طربي ثقيل البحة. نجاحها فاق كل التوقعات، حتى أن الفنان حكيم صرّح لاحقًا بندمه على عدم غنائها حين عُرضت عليه.
أما الفيديو كليب الذي صُوّر على شواطئ بيروت بمشاركة سيرين عبدالنور، فكان علامة فارقة أيضًا، إذ شكّل أولى تجارب الوسوف المصورة، مضيفًا بعدًا بصريًا جديدًا إلى مسيرته.
بعد ثلاثين عامًا على صدور "كلام الناس"، ما تزال الأغنية إحدى أبرز محطات جورج وسوف، تُستعاد في الحفلات والبرامج، وتتناقلها الأجيال كجزء من الذاكرة الموسيقية العربية.