يلتقي اثنان من أبرز أسماء المشهد التونسي في تراك "كيف كيف"، حيث يجتمع إمباير مع كازو للمرة الأولى في تعاون يعكس تطور الراب التونسي موسيقيًا وبصريًا، ويؤكد أن رسائل هذه الجنرا في السنوات الأخيرة ترتبط بالأبعاد الاجتماعية والسياسية، وتعكس ما يعيشه الشباب في بلادهم.
يُعتبر إمباير من أعمدة الراب التونسي، يعتمد على كلمات تجمع بين قوة التعبير وصدق السرد بأسلوب متين وثابت. منذ ظهوره قبل نحو 14 عامًا، رسّخ مكانته في الساحة من خلال التطرق لقضايا واقعية مثل البطالة والطموح والانتماء. يتجنب التعقيد اللغوي لصالح لغة يومية قريبة من الناس، ما يجعل نصوصه مفهومة وذات تأثير مباشر. أما أداؤه الصوتي، فيحمل قدرًا كبيرًا من الحدة والعاطفة، ويعكس تجارب الحياة اليومية وصراعاتها.
في المقابل، يبرز كازو كأحد الأصوات الصاعدة التي تضيف بعدًا مختلفًا للمشهد. يميل إلى أسلوب سردي عاطفي يمزج بين الراب والغناء النغمي، قادرًا على التعبير عن مشاعر معقدة مثل الخوف والتوجس والأمل. كلمات أغانيه تمس مواضيع شخصية واجتماعية مرتبطة بالهوية والانتماء والتحديات اليومية، بأسلوب صادق وبسيط ساعده على بناء قاعدة جماهيرية متنامية.
من هنا، يشكّل لقاؤهما في "كيف كيف" لحظة فارقة تمزج خبرة وإبداع جيلين مختلفين. يمثل إمباير الصوت العميق الذي حمل عبء المشهد لسنوات، بينما يقدّم كازو طاقة شبابية حديثة. ومع ذلك، انقسم الجمهور بين من رأى في الأغنية تجربة جريئة ناجحة، وبين من اعتبرها أقل من مستوى أعمال كل منهما الفردية.
الإنتاج الموسيقي والكليب
الإنتاج الموسيقي الذي تولاه Hbibzgang، حمل مزيج متقن من الإيقاعات ذات التأثيرات الأفريقية، لكنه بقي راسخًا ضمن إطار الراب والهيب هوب، مع إدخال لمسات من الأصوات الشرقية التي منحت التراك شخصية مختلفة. ما لفت الانتباه هو حضور نغمة تقترب من صوت الترومبيت في نهاية التراك، ترافق مشاهد لعب كرة القدم في الكليب، ما أضفى طاقة تشبه هتافات المشجعين في الملاعب، وخلق إحساسًا بالحماس الجماعي.
أما الكليب، من إخراج وإنتاج أسامة عزي، فيحمل توقيعه المعتاد من حيث التركيز على القصص الواقعية التي تمس المشاعر. في هذا العمل، يتناول قصة شاب فقد رجله، في إشارة واضحة لمعاناة الكثير من الشباب في مواجهة ظروف الحياة القاسية. حضور الأم في الكليب كرمز للدعم والاحتضان كان لافتًا، وهي ثيمة تتكرر كثيرًا في الكليبات بمنطقة شمال إفريقيا، حيث تعكس الأم صورة الثبات والقوة وسط الانكسارات.
حكم أولي
يفتتح كازو تراك "كيف كيف" بأسلوب هادئ ومشحون بالعاطفة، يمزج فيه بين الغناء والراب لتقديم مقدمة تعكس جو الأغنية العام. يعتمد على جمل لحنية قصيرة ومتكررة تلامس إحساس المستمع، وتجعل الكلمات أقرب وأكثر صدقًا. هذه الافتتاحية تمنح الأغنية مساحة من الشفافية، وتخلق تمهيد موسيقي يجعل دخول إمباير لاحقًا أكثر قوة ووقعًا.
حين يدخل إمباير، يبدأ في رص البارات فوق الإيقاع بثقة وخبرة واضحة، مقدمًا فلو ثقيل لكنه سلس على الأذن، ما يوازن بين الحدة والنعومة. نبرة صوته القوية ومخارج الألفاظ الدقيقة تمنح كل مقطع وقعًا خاصًا، وتخلق تباين مع الأداء الغنائي السلس لكازو، ليُبنى التراك على ديناميكية تجعل المستمع متيقظًا حتى النهاية.
يأتي هذا التراك كخطوة ملهمة في المشهد التونسي، الذي دائمًا ما يتميّز عن باقي المشاهد بمصداقيته العالية والواقعية في الطرح. كما يمكن بسهولة أن نعتبره رسالة واضحة تحمل ضمانات لجيل الشباب، ليثبت كازو وإمباير أن المشهد قادر على التجديد والحفاظ على هذه الروح جريئة في وقتٍ واحد.