كل فنان يحب أن يقدم نفسه للجمهور بشكل فني أو "بيرسونا" خاصة تميزه. أحيانًا أسلوب الكتابة، أحيانًا طريقة الأداء، أو حتى نوعية الإنتاج الموسيقي. كل ذلك بهدف الحفاظ على استمراريته، وبناء قاعدة جماهيرية واضحة. لكن أي متابع للمسيرة الناجحة للرابر إيفل الممتدة لسبع سنوات يرى أنه عارض قواعد البيرسونا الفنية لعرض الحائط، لكنه اكتشف بيرسونا موازية.
لا يمكن التقاط خط واضح على مدار نشاطه الفني. يميل للتلون في أنماط الهيب هوب المختلفة أدائيًا وموسيقيًا. يقدّم شيء أشبه بالكاستينج في عالم السينما والدراما. يقدم لونًا اليوم وآخر في اليوم التالي. الأكيد أنه يتقن كلا الحالتين.
لا يفعل ذلك بغرض مطاردة الهيت، يظهر مثل الهاوي المعجب بالجُنرا. يحضر تجمعات المهووسين بالهيب هوب (السيركلات). لا يخشى التعرض لانتقادات واتهامات النقل أو المحاكاة. في الكثير من الأحيان تخلق مثل تلك السمات مسيرات مميزة تستحق التناول، فضول يدفعنا للتمحيص في خط متبدّل الملامح، ورغبة في أن نشاهد ظاهرة خارج إطار المألوف الذي قد يكون في بعض الأحيان مملًا. هنا محاولة للتعرف عليه عن قرب.
انطلاقة يميزها القسوة والحسم
أصدر إيفل أول تراكاته بعنوان "كاربون" 2018. حمل أسلوبًا كتابيًا أشبه بالتداعيات الذهنية، مليء باستعراض مهارات التلاعب بالبارات والجمل الشبيهة بالحِكم الشعبية. الملفت كان اعتماده على بعض التعبيرات المباشرة الحاسمة التي لا تحمل أي نوع من أنواع الفلاتر، أبرزها بار "ولادك لو عندك أملاك يتمنوا يوم عزاك".
استمر هذا الخط في إصداراته التالية القليلة مثل تراك "إخطبوط" 2020، الذي يصوّر فيه فلسفته عن الحياة بأنه يراها غابة ضخمة مليئة بالوحوش. أو حينما يسخر ممن لديهم أمل في الحياة، مثل تراك "إزيك" عندما يسأل: "إزيك عامل مع الأمل إيه؟".
تتركز هذه القسوة ويتضح ملامحها في أشهر هيتاته عام "يا وعدي" 2021 يتحدث بوضوح في بارات متتالية في هذا التراك عن إحساسه بالأزمة طوال السنين التي انتظر فيها أن يتحول من هاوي موسيقى راب لرابر، وكيف انتزعت منه طفولته بعمله منذ المراهقة كعامل بناء، وعلاقته المشوهة بأهله.
طوال الثلاثة أعوام التي شهدت ملايين المشاهدات والاستماعات على المنصات المختلفة قدم إيفل أعماله على أنماط موسيقية مختلفة، من الدابستيب للدريل وحتى التراب الشعبي ولحن البوم باب التقليدي والنيو سكول. كل ذلك مع الحفاظ على الوقع الموسيقي الصاخب للحن، خاصة في الانتقالات والبانشلاينات.
لا يتعلق الأمر بالإنتاج الموسيقي فقط، فقد قدم الإيقاع الأدائي شديد السرعة المنتمي للجيل الأول من الهيب هوب في بداية الألفينات، والإيقاع الأدائي للتراب، والإيقاع الأدائي البطيء المقارب للمونولوج. يمتد الأمر إلى إختيار اللهجة والتفاخر بالإنتماء المناطقي، فهو يتحدث عن أصوله الصعيدية في تراكاته الأولى، ويبدأ تراك "الله غالب" ببارات باللهجة البدوية للعرباوية وسكان شبه جزيرة سيناء، ويتحدث عن انتمائه لمحافظة الجيزة في تراك "الأبالس".
مونولوجست ناجح
في أواخر عام 2022 أصدر إيفل تراك ميم راب بعنوان "حنفية". رسالة لحبيبته القديمة يذكرها بحياته السيئة معها، ويعلمها أنه أخيرًا قد وجد العوض. لا يقتصر تميّز التراك على موضوعه وطريقة طرحه المتجردة من أي اعتزاز بالذات أو تفاخر، حيث يركز فقط على التفاخر بمزايا الشريكة الجديدة، لكن أيضًا يطعّمه بالعديد من الإشارات والاقتباسات المصرية الشعبية الأصيلة.
على سبيل المثال يقتبس الجملة الشهيرة من أغنية خالد زكي "الواد ده مين ده"، أو أغنية "كابوريا" للممثل أحمد زكي، أو غناء جملة "عارفة أنت الحظ بعينه/ أهي وش السعد عليا" من أغنية عمرو دياب "أنت الحظ"، ويضيف لها بصمته الخاصة بتقديمها بطريقة مغنيي الأفراح الشعبية وليالي الحظ. وقتها لم يكن تكنيك الاقتباسات وليد هذا الإصدار، ففي بداية مسيرته في عام 2020 أشار في تراك "أخطبوط" لشخصية سمير أبو النيل من فيلم أحمد مكي الذي يحمل نفس الإسم .
استمر في استعمال تقنية الميم راب في تراك "عضمضم" الذي صدر عام 2023. سخر فيه من صعود نجم فرقة "المعادي تاون مافيا" وخاصة فليكس. أثرت بعدها تلك التراكات في أسلوبه الكتابي الذي أصبح غنيًا أكثر بلغة تبجحه ساخرة تستمد مصطلحاتها من الثقافة الشعبية وصيحات وتريندات الإنترنت.
الحقيقة كان هذا واضحًا في ألبومه القصير الأول المكون من أربع تراكات بعنوان "بعد 12" الصادر في نفس العام، بالتعاون مع المنتج الموسيقي رايز.
العودة للجذور غير المعلنة
في بداية فيديو كليب وتراك "المولى كبير" تظهر بعد اللقطات القصيرة المقتضبة بالأبيض والأسود لمجموعة من الشباب على مسرح صغير، يليها إطار أسود كتب عليه 2010-2025. وبرغم عدم وجود أرشيف موسيقي إيفل يعود لتلك الفترة إلا أن إصداراته منذ مطلع هذا العام تميل لموجة الهيب هوب المُقدمة في بدايات العقد السابق، والتي ركزت على المعاناة النفسية والمشاكل الاجتماعية التي تواجه الشباب في بدايات حياتهم العملية. يظهر هذا واضحًا في نمط تراكات "عيشة والسلام" و"مش باقي على شيء".
ثبات بصري منهجي
يتمسك إيفل على المستوى البصري بالعوالم التي ينتمي لها، منذ تعاونه الأول مع المخرج منير مظهر في كليب "كاربون" حتى كولاجه الأخير الجامع بين معالم الثقافة الصعيدية والبدوية في فيديو كليب "حرب 111" تستهويه العوالم الشعبية القاسية داخل حارات الجيزة، وصحراء سيناء الجامعة بين الإبهار البصري والغموض المثير لعالم من الصعب اكتشاف معالمه.
حتى حين قرر إصدار كليب عاطفي ساخر جعل رحلة البطل تدور بين الطرق السريعة الزراعية وكمائن الشرطة المقامة عليها. وقد وصل الإنتاج البصري المرتبط بموسيقاه لذروتة الجمالية في فيديو كليب "حرب 111" الصادر منذ قرابة الشهر جامعًا بين معالم من الثقافة البصرية الصعيدية والبدوية، مستعرضًا لأنشطة التحطيب واستعراضات السيارات النصف نقل ذات الدفع الرباعي في الصحراء، وسباقات الإبل على إيقاعات المزمار الشعبي للمنطقتين الممزوج بالناي ولحن الالكترو. تميز الكليب أيضًا بجمعه للقطات بانورامية بالدرون تبرز الكثافة السكانية لتلك المناطق مع لقطات بورتريه تظهر السمات الشكلية التي تميز الهويتين.






