إذا كان أكثر ما يلفت في ألبوم "ماتادور" هو تعدد الجنرات، فإن اختزال الألبوم في هذه الملاحظة وحدها لا يوفيه حقه. فالتنقل بين القوالب الصوتية ليس تفصيلة عابرة في تجربة مروان موسى، بل جزء من مشروعه منذ بداياته.
على امتداد مسيرته واصل موسى هذه المقاربة، متنقلًا بين التراب والشعبي والإلكتروني، ليصل في "ماتادور" إلى صياغة أوضح لهذا التعدد، جامعًا بين الإندي بوب والآر-أند-بي والتراب والهاوس، وموزعًا حضور كل جنرا بطريقة تجعل من الألبوم لوحة إنتاجية متغيرة باستمرار. مع مساهمات إنتاجية بارزة من حاتم بس الذي أصبح شريكًا منتظمًا بعد ألبوم "الرجل الذي فقد قلبه" الصادر هذا العام في مايو/ أيار.
عندما أعلن مارو عن هذا الألبوم الجديد، لم نتوقع ألبومًا بهذا الكثافة، خاصة بعد إصداره ألبوم طويل من 23 تراك قبل أشهر قليلة. لكنه أثبت أنه قادر على منافسة نفسه، مقدمًا ألبومًا جديدًا قادرًا على التسلل إلى قوائم استماعنا، وتقديم لمسة جديدة على طريقة نظرنا إلى الإنتاج الموسيقي والراب وتطور المشهد المصري.
صوت هاوس مصري: محرك الألبوم الأبرز
في عام 2018، حين كان موسى لا يزال على ساوندكلاود مع أوائل المستمعين، أصدر تراك "المحطة" على إيقاع هاوس من إنتاجه. ورغم أن صوته لم يكن قد ترسخ بعد، إلا أن التجريب الإلكتروني المبكر أظهر نية واضحة لتوسيع حدود الراب المحلي.
في ألبوم "ماتادور" يعود هذا الصوت، لكن برؤية أعمق وأدوات إنتاجية أكثر خبرة وتجريبية. رصدنا صوت الهاوس في أكثر من تراك، عبر تفكيك الإيقاع إلى طبقات متحركة من السنثات والبَركَشَن واستخدام الفلاتر، ما سمح بالانتقال بسلاسة بين البيت الهاوسي الصافي والإيقاعات الشعبية المزخرفة. لكن من كان يتوقع أن نسمع هذا العام صوت رصّة طبول المهرجانات داخل نفس التراك مع نبضات الهاوس؟
تكسر تراكات مثل "المكان" و"مطروش" التوقعات بضربات قاسية على البيت، لنسمع شيئًا جديدًا ومختلفًا بحق على الأذن. نسمع في التراكين تبدُّل البيت الشرقي عند اللازمة إلى نمط هاوسي مع توزيع صوتي أوسع.
يظهر هنا الانسجام الإنتاجي بين موسى وحاتم بس، حيث أنتج موسى "المكان" بنفسه فاتحًا المجال لفلو مرن يحمل دسّات دقيقة وقوية، تبدأ ضمن حدود السخرية الهادئة وبكاريزما واضحة، في بارات مثل "لسه صغنطوط بيلعب كيلو بامية".
ثم يعلّي العيار فجأة ليذكر ببار "مارو نجم الجيهة" -قد يكون ردًا على بار "ويجز جاي من الجيهة، ويجز من المتراس" من تراك "تنكر". وقد شغل هذا البيف غير المباشر مساحة كبيرة من المشهد المصري بين أخذ ورد في إصداراتهما، لكن موسى موسى ذكر في مقابلة الغلاف مع بيلبورد عربية أن "الراب ديمًا بيبقى أقوى بوجود بيف".
يترك مروان الدفة لحاتم بس في تراك "مطروش"، ليتابع نفس الخط. فمع الانتقال المفاجئ إلى مقطع "بحبك إنتي/ بتهب مني"، ينقلب المشهد تمامًا: يتبدل الإيقاع إلى خط إلكتروني وصوت هاوس أكثر انسيابية واتساعًا.
تتكرر لازمة "مطروش" فوق بيت متصاعد يجعلها أقرب إلى هتاف جماعي. هنا يبدو الإنتاج هو البطل مع حاتم: لا يكتفي بالاشتغال على عناصر من التراب الشعبي، بل يوسّعها عبر إدخال بُعد هاوسي يعطي الأغنية أفقًا مختلفًا داخل الألبوم.
يبرز تراك "مش موجود" مع موسى سام كأحد أبرز أعمال الألبوم تحت جنرا الهاوس، وكان من الممكن أن يُطلق في بداية الصيف ليكون تراكًا أساسيًّا في الكلوبات التي تلعب موسيقى إلكترونية. تولّى حاتم الإنتاج بالكامل، فصاغ بيت هاوس خالصًا يعتمد على طبقات سنث متناسقة، مع دمج لمسات تكنو واضحة. وزّع الغناء بين موسى ومروان موسى بشكل متناوب، مع استخدام فلترة تدريجية (filter automation) لتوسيع الأداء الصوتي، فجاءت من أكثر إصدارات الألبوم طاقة.
من الشعبي إلى الإندي بوب: تنقل سلس بين العوالم الصوتية
تابع مارو كسر التوقعات وقدم لنا للمرة الأولى تراكًا شعبيًا خالصًا في "شكلك مجنونة" مع كريم أسامة. اعتمد الإيقاع على صوت كيبورد شعبي عزفه جلبة، وجعل التراك ينتمي بالكامل للطابع الشعبي، بعيدًا عن التراب، مع لمسات مستمدة من تأثيرات المهرجانات.
أعادنا هذا التراك إلى روح الأغنية الكلاسيكية الشعبية "إيه الحكاية" لحمدي بشتان، ما منحها جاذبية مألوفة ومستساغة على الفور. شارك في الإنتاج كل من موسى وحاتم، ودمجوا بين البنية التقليدية للأغنية الشعبية وبعض التعديلات المعاصرة في التوزيع والإيقاع، ليخرج العمل بحيوية تناسب أجواء الاستماع الصيفي ويظل متماشيًا مع الهوية الموسيقية للألبوم.
تشارك دنيا وائل في هذا الألبوم بعد أن أخذت دور الراوية في الألبوم السابق، ليقدّم الثنائي أغنية إندي بوب نشهد انتشارها مؤخرًا في المشهد مع توو ليت وليجي-سي وغيرهم. يختلف هذا التراك عن باقي الأغاني في الألبوم، يشاركه في إنتاج التراك أنجل فايس هذه المرّة، ويرتكز على دقات بيانو معدلة وصوت غيتار مشوّه، ويتناوب موسى في الراب ودنيا في الغناء.
طوال الأغنية يتكرر سامبل صوتي لعادل إمام من مسرحية "الواد سيد الشغال" يقول "بتحبيني يا هدى". ينهي مارو التراك ببارات رومانسية بسيطة "خليكي جنبي وما تمشيش / بيروت بالليل ومناقيش"، ما يجعلها من أكثر أغاني الألبوم عاطفية.
رؤية موسيقية مصرية 100%
نشر موسى تصريحًا قبل أشهر على إكس يوضح رؤيته: "أنا عايز اعمل حاجة ١٠٠٪ مصرية بس تكون حديثة وصايعة، مش شبه غناء بوب، لا عايزها تكون راب عادي بصوتها مصري بتاع ٢٠٢٥". وربما هذا ما قدّمه مع حاتم بس في هذا الألبوم، حيث يمكن القول إنهما نجحا في تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس. وبينما كان لموسى دور محوري في ترسيخ صوت التراب الشعبي والتجريب فيه كرابر ومنتج، فإنه يواصل تطوره الموسيقي بخطوات متجددة.
وإذا كان ألبومه الطويل السابق قد غاص في الحزن والفقدان ودخل في رحلة العلاج النفسي الثقيلة، فإن هذا الألبوم يأتي كألبوم صيفي أخفّ، بروح ساخرة ونَفَس لطيف، يمنح المستمع مساحة للابتسام والتفكير بعيدًا عن الثقل العاطفي. وفي الوقت نفسه يقدم دمج مبتكر للهاوس المصري مع الراب المحلي، مؤكدًا قدرة موسى على تطوير الصوت المصري بصياغة حديثة وصايعة.