صدر ألبوم "ابتدينا" دفعة واحدة وبلا مقدمات. الخطوة التي لا يجرؤ عليها اليوم سوى نجم بحجم الهضبة، تركت للمستمعين اليوم تجربة سماعه دفعة واحدة. وفي هذه الحالة، فالمفاضلة بين الأغاني شر لا بد منه.
كونه النجم الأول اليوم في العالم العربي بلا منازع، والمنفرد منذ أسابيع بالمركز الأول على قائمة بيلبورد عربية 100 فنان حتى قبل صدور الألبوم، فالتوقعات حول ما يقدّمه من جديد ليست فقط عالية جدًا، بل كذلك مختلفة ومتنوعة. هناك دومًا من يبحث عن عمرو دياب بتاع أيام زمان، فيما يرى آخرون أن تحديه الأكبر هو التجديد. يريد البعض منه هيت واحد يكسر الدنيا هذا الصيف، فيما لا يكتفي جمهوره المخلص حتى مع دفعة كبيرة من الأغانية.
وبالنتيجة، فالانطباعات والآراء حول الأغاني الـ 15 لا بد أن تتضارب. من جهتنا، استمع قسم من فريقنا لألبوم "ابتدينا" بتمعن طوال الساعات التي تبعت صدوره، ووضعوا ترتيبهم الخاص لأغانيه، من الأضعف وصولًا إلى الأقوى. تعرفوا عليها في هذه القائمة.
هلونهم
لربما كانت "هلونهم" أبعد أغاني الألبوم عن ستايل عمرو دياب على امتداد مسيرته. وإن كان قد نجى طوال أربعين عامًا من غناء الثيمة -التي ترددت حتى استهلكت- عن الشخص المستهدف المحاط بناس قليلي الأصل والوفا، الذين لا يقصدونه إلا لمصالحهم، وبدا مترفعًا عن مواضيع العتاب وغدر الصحاب، فقد أوقعه أيمن بهجت قمر في هذه المصيدة. لكنه لم يكتفي بأن قدم له موضوعًا مكررًا ولا يناسب شخصيته الفنية، بل صاغه بأسلوب غريب، حيث أصبح الهضبة شخصًا مريرًا يحتفظ بدفتر يسجل فيه أسماء من يزعجونه. وحتى اللحن والتوزيعات في هذه الأغنية كانت تقليدية ولا شيء فيها استوقفنا.
إشارات
لربما لو وُزعت الأغنية بشكل مختلف لكانت أكثر جاذبية. لكن البيت الإلكتروني المستخدم، الذي غالبًا ما تضاف إليه لمسة من الوتريات لتقديم نوع من الفيوجن، أصبح مستهلكًا. بالإضافة إلى كونه ينتمي أساسًا إلى تيار لا يترافق غالبًا بالغناء، لذا يبدو أداء عمرو للكلمات هذه مع اللحن غير منسجمين تمامًا.
خبر أبيض
تعتمد "خبر أبيض" على بيت إلكترو ناعم، يجعل الأغنية تصلح للاستخدام كـ "باكراوند" أو خلفية موسيقية مرافقة لسهرة رومانسية هادئة، لكن ليس هناك ما يخطف الاهتمام، لتبقى الأغنية على الهامش، خاصةً وأن الكلمات تفتقر للتميز، فتمر مرورًا عابرًا وكأنها كتبت لتُنسى.
دايمًا فاكر
مرة أخرى، يغني عمرو دياب دفاعًا عن مشاعره بمواجهة شكوك وسوء تقدير الطرف الآخر، لكن هذه المرة تمر الأغنية دون أثر كبير. الأغنية رقيقة في لحنها وأدائها، لكنها تعتمد على مفردات مألوفة بأغاني عمرو دياب وتعيد استهلاك فكرة أغاني تركت بصمة أكبر؛ مثل "دايمًا في بالي" و"ما بتغبش"، ما يجعلها تبدو كظل باهت لذكريات أفضل.
قفلتي اللعبة
في ألبوم "مكانك"، تعاون عمرو دياب مع مصطفى حدوتة بأغنية "يا قمر"، ليخطف اهتمام الجمهور بكلماته الغزلية التي صيغت بذكاء، واعتمدت على معادلة رياضية في بنيتها. يبدو هنا يحاول تكرار ذات الوصفة، ويعتمد على معادلة رياضية جديدة، يبني الغزل على الاجتزاء من كل شيء لتكوين الأفضل، بدلًا من التعداد والترقيم، وينجح بكتابة جمل شعرية رقيقة، مثل: "خدتي من الليل السمار" و"خدتي من السما نجمها"؛ لكن الأغنية لا ترتقي بجاذبيتها للتجربة السابقة، واللازمة التي تتكرر بقافيتها كلمة "لعبة" ثلاث مرات تبدو ضعيفة.
ماتقلقش
تحاكي "ما تقلقش" أغاني عمرو دياب في التسعينيات، بالاعتماد على إيقاع المقسوم والألحان ذات العرب الشرقية، التي تجعل أداء عمرو دياب يتوهج. المقطع الأول ينجح بجذب الاهتمام، لكن الأغنية لا تسير على ذات السوية وتفقد جزء كبير من جاذبيتها مع مرور دقائقها، لتكتفي بالحصول على تقييم متوسط بين أغاني الألبوم وتتواجد في المرتبة العاشرة.
يا بخته
في "يا بخته"، تدخل منة عدلي القيعي عالم عمرو دياب بمفردات شعبية غير مألوفة في قاموسه الغنائي، مثل "يا بخته" أو "يأدمننا"، ما يمنح الأغنية طزاجتها، كما أن اللحن الخفيف والتوزيع القائم على الطبل البلدي يكسبان الأغنية جاذبية خاصة. في الأغنية فكرة متناقضة؛ إذ تبنى على تقديم شخصية نرجسية، لكنها تنكسر مع استخدام ضمير الجمع "نا"، وكأنها غير واثقة مما تريد قوله تمامًا.
يلا
الأغنية التي تحتل المرتبة الثامنة هي "يلا"، التي يتعاون بها عمرو دياب مع ابنه عبد الله، والتي تحمل العديد من العناصر المميزة؛ ففيها يستعيد عمرو دياب نفس الإيقاع الأيقوني الذي ارتبط بـ "نور العين"؛ ذلك الإيقاع الذي استورده بنفسه من مدرجات كرة القدم ليصبح من بصماته المميزة في البوب العربي.
كما أن الأغنية تحتفي بالحياة وتدعو للاستمتاع بالموسيقى وتجاوز المنغصات، بكلمات فيها مزيج ذكي من الاندفاع والتعالي المرح. والتوزيع يعزز هذا التوجه ببيت لاتين هاوس، يزداد جمالًا مع النغمة المستوردة من الشرق الأقصى في الفواصل موسيقية، والتي تُضفي طابعًا عابرًا للثقافات. وحتى صوت عبد الله وهو يغني بالإنكليزية، يأتي بأداء متقن وعلى المقاس. ولعل العنصر الوحيد الذي تفتقده هذه الأغنية لتكتمل، كان جملة لحنية قوية تطغى على باقي العناصر وتجعل الأغنية تتماسك.
شايف قمر
بموسيقى لاتينية هادئة، تستدعي "شايف قمر" أجواء أغاني عمرو دياب في بداية الألفينات. تمر الأغنية بخفة مع أداء عمرو دياب الذي يبدو هنا الأكثر رقة. لكن هل تقدم الأغنية أي جديد؟ لعل الوصف البلدي "تتاكل أكل"، الذي يرد بالجملة الافتتاحية هو غريب عن قاموس عمرو دياب الغنائي، ومثير حقًا كيف يندمج بلغته الغزلية المعتادة. لكن باستثناء هذا التفصيل التجديدي، فإن "شايف قمر" هي استعادة لأسلوب عمرو دياب وهيتاته الأقدم.
ابتدينا
بأسلوب عمرو مصطفى المميز وبصمته الخاصة، نسمع أغنية تنفرد بلحن وتوزيعات لاتينية غجرية خالصة. الجيتارات الإسبانية تسيطر على نحو متسارع، إلى حد الوصول إلى الذروة، حيث يمكننا تقريبًا تصور شكل عمرو مصطفى ممسكًا بجيتاره مؤديًا بنفسه الأسطر اللحنية السريعة. لكنها تنقلنا كذلك إلى صور ومساحات أبعد، وتشعرنا أننا وسط جماعة كبيرة من عازفي الجيتار والمصفقين والراقصين. بل ويسهل تخيلها تؤدى بلغة أخى غير العربية، فتكتسب مباشرةً انطباعًا عالميًا.
من جانب آخر، تمنح كلمات تامر حسين الأغنية مزيدًا من الخصوصية، وكأننا نسمع فيها رسالة عمرو دياب الحقيقة خلف الألبوم، حيث يغني بـ "نا الجماعة"، عن رحلة قُطعت إلى حين الوصول لحب لا غاية للحياة دونه، فيكسب العبارات معاني متنوعة. فهل هو يتحدث عن نفسه وفنّه؟ أم عائلته وأولاده؟ أم علاقته بجمهوره؟ لربما تقصد أن يلخص كل هذا بغنائه: "لفينا، الدينا دي لفينا/ وامّا نادى علينا/ حب العمر جينا/ لولاه لولاه/ والله والله والله ما تبقى حياه/ لولاه لولاه ما كنّاش جينا".
ماليش بديل
أغنية مخصصة لجيل الثمانينيات والتسعينيات، ومن يفتش بين ثنايا الألبوم عن عمرو دياب القديم. ترجعنا مباشرة بالحالة الشعورية إلى أغاني مثل "قلت إيه" و"أغيب"، حيث ينساب الأداء على طبقة واحدة، فيما ينفرد أداء عمرو دياب وحده بمهمة إيصال المشاعر والأحاسيس والرسائل.
ألفة اللحن هنا لا تشعرنا بالتكرار أو الملل، بل على العكس ترجعنا لما نرغب منه دومًا بالمزيد، وكأنها وجبتنا المفضلة الوحيدة التي لا نمانع نأكلها أكثر من مرة في الأسبوع الواحد.
ارجعلها
الأغنية التي تتفوق بين أغاني الألبوم من ناحية الموضوع المطروح كتبها له بهاء الدين محمد، ولحنها الهضبة بنفسه. وعلى طريقته بتقديم أغنية يأخذ فيها الناصح والمرشد في العلاقة العاطفية في كل حين، ينصح عمرو بحكمته أحد طرفي العلاقة ليبادر بالصلح ويسترجع حبيبته. ليس من باب أن الصلح سيد الأحكام، بل لأنه متأكد أن حبيبته تستحق الأفضل منه. وكلما طالت المدة الزمنية، أدركت قوتها واستقلاليتها وقدرتها على العيش وحدها أو حتى إيجاد شريك أفضل.
وفيما تبدو نبرة الأغنية طريفة حين نستوعبها، ولكن عمرو يؤديها بجدية مفرطة وبلمسة من الشجن التي تكسبها أبعاد جديدة، وكأنه الشاهد على مأساة الأنثى هنا، وكلامه مع الشاب استهزاءً به وسخرية من عجزه عن الاحتفاظ بالحب وبالشريكة.
بابا
لربما ظهرت عناصر من الموسيقى الشعبية المصرية في أغاني عمرو دياب على امتداد مسيرته. لكن أغنية "بابا" تقدم خلطة فيها الكثير من التجديد، تتفرد فيها داخل هذا الألبوم على وجه الخصوص. ففوق بيت هاوس حيوي، نسمع سامبل استثنائي للمزمار الصعيدي، يشعرنا أن عمرو دياب يخلع عن نفسه كل التوجهات العصرية التي حرص بعناية على تقديمها في السنوات الماضية، ويهرع جريًا إلى الأغنية الشعبية التراثية، باحثًا بحماس عن هيت الصيف.
وبالفعل تشعرنا الأغنية مباشرةً أنها تنتمي لليالي السهر والأفراح والمناسبات السعيدة. فيما تأخذ الكلمات الغزلية من مفردات التراث أكثر من اللغة اليومية كما نسمع في غنائه "خد وناس وضيُّه كالماس/ عايزله حراس عليه يا بابا/ العيون سود وقلبي معقود/ سكر وعنقود عنب يا بابا". ليست "بابا" بين أغانينا المفضلة في الألبوم وحسب، بل نتوقع أن تصبح قبل نهاية الصيف بين أبرز هيتات العام.
خطفوني
لعلها أكثر أغاني الألبوم توافقًا مع المعايير القياسية لهيتات عمرو دياب، فيها جملة لحنية ذكية وشاعرية سهلة الحفظ وضعها عمرو مصطفى، تنسجم مع كلمات تامر حسين الرومانسية، التي تتزين بكلمة مطروقة ولكنها ليست مألوفة بالأغاني "خطفوني".. الحركة التي قدمها سابقًا في "عودوني" و"تملي معاك" وغيرها
. الأغنية بها العديد من التفاصيل اللافتة، كافتتاح الأغنية بصوت ابنته جنى وهي تغني بالإنكليزية بدون موسيقى والذي يبدو خيارًا جماليًا مختلفًا عن هيتات عمرو دياب السابقة. لكن بالمقابل فإنها ليست متكاملة تمامًا، فدخول عمرو على الأغنية لا يبدو موفقًا، بمقطع تتكرر به كلمة "حبيبي"؛ هو الأضعف بالأغنية، لكنه سرعان ما يعوض هذه الثغرة باللازمة الجذابة التي سنسمعها كثيرًا في الأشهر المقبلة "خطفوني عينيك خطفوني/ ورموني في نار وسابوني/ وقوام قوام نظرة وسلام/ ناديتك لَقيتك مِجنني".
حبيبتي ملاك
في "حبيبتي ملاك"، لا يسعى عمرو دياب إلى إبهارنا، بل لتقديم أغنية حب خالصة وبسيطة، بدون قفزات موسيقية كبرى. يعتمد فقط على إحساسه الدافئ الذي يتسرب من بين الكلمات ومن بين نغمات الأكورديون حين يغني: "حبيبتي الشمس لما تطل من الشباك". فالأغنية لا تُبنى على ذروة درامية، بل على تراكم ناعم لمشاعر الحب.
رغم أن موضوع الحب المطمئن والعميق، سمعناه من عمرو دياب مرارًا، إلا أن شيئًا ما هنا يبدو مختلفًا. ربما هي اللمحات الشعرية وربما هو أداء عمرو دياب الذي يصل إلى أعلى ذروة رومانسية، وربما هو الاعتماد على الأكورديون الذي يحول الصور الشعرية الرقيقة إلى حالة سينمائية، يمكن الإحساس بها ورؤيتها. "حبيبتي ملاك" لا تقول شيئًا جديدًا لم يقله عمرو دياب من قبل، لكنها تقول كل شيء من جديد. وهذا هو سرّ جمالها الذي سيضعها بجانب أغاني عمرو دياب الكلاسيكية الرومانسية.
اشترك في كتابة هذه القائمة من فريق بيلبورد عربية كل من عمر بقبوق وهلا مصطفى.