أن تخرج من ضواحي مدينة ليل الفرنسية لتصبح أحد أبرز الأصوات المغربية في الهيب هوب خلال سنوات قليلة، فذلك ليس مجرد مسيرة فنية، بل رحلة في البحث عن هوية موسيقية لا تعرف الخوف من التجريب.
منذ إصداره ألبومه الأول عام 2022 وحتى وصوله هذا الأسبوع لدخول قائمة بيلبورد عربية 100 فنان لأول مرة، نسج شاو مسيرة مليئة بالمجازفة، كسر فيها القوالب الجاهزة، وواجه خصومه على أرضية موسيقية متنوعة تجمع بين الدريل، التراب، والراي.
وسط البيف المشتعل بينه وبين الرابر سمول إكس في الفترة الماضية، الذي انطلق من جدال حول استخدام الموسيقى الشعبية والراي داخل الهيب هوب، أرفق شاو تراك "VENI VIDI VICI" التي أصدره قبل سنوات مع رد على إكس عبر "ستوري" في إنستغرام. التراك حمل بصمة دريل خالصة وفلو متدفق مليء بالقوافي الذكية، بدا وكأنه إنذار واضح: شاو ليس خصمًا سهلًا في معادلة الراب.
لكن الأهم أن التراك أكد وتيرة تطور مسيرته السريعة: من ألبوم "كفر ناعوم" (2022) إلى تصدر قوائم الاستماع المغربية مع ألبوم BLÉDARD في (2024). وما زالت تراكات من هذا الألبوم، مثل "والله"، تحجز مكانها في القوائم حتى اليوم، وقد شهدنا دخولها قائمة أفضل 50 أغنية مغاربية الأسبوع الماضي.
"كفر ناعوم": البداية دون خطاب الهوية
على عكس المتوقع من مغربي مهاجر في فرنسا، جاء ألبوم شاو الأول خاليًا تقريبًا من مواضيع الاغتراب والهوية المزدوجة. ركّز فيه على إبراز مهاراته في الراب، وبناء بيرسونا المتبجح الواثق الذي يعلو فوق "البيفات".
الألبوم قدّم فيرسات غنية لغويًا، مليئة بالاستعارات المستقاة من الثقافة الشعبية، وقوافي مصقولة بعناية لدرجة بدت وكأنها ارتجالات "فري ستايل". برزت أعمال مثل "Asylum"، و "VENI VIDI VICI"، و"Quiproquo" كأمثلة على حرفيته.
الموسيقى تنوّعت بين الدريل والتراب، مع لمسات تجريبية استعارها من جنرات راقصة مثل الدَب ستيب، من خلال تقطيع الألحان وخلق إيقاعات غير مألوفة. ورغم ذلك، لم يخلُ الألبوم من لمحة إنسانية مرتبطة بالهوية المهاجرة في فيديو كليب "أوه ماما"، الذي عكس وحشة الغربة والعلاقة الخاصة بين الأم وابنها.
في الطريق لاكتشاف الذات
بعد أن أثبت نفسه في الراب الخالص، قرر شاو أن يغامر خارج الصندوق. البداية كانت مع أغنية "الأول" إلى جانب يزيد، وهو عمل عاطفي على إيقاعات الأفرو بيت، مزج فيه بين الأداء السريع الذي يميز الراب وبين نغمية الغناء. هذه التجربة فتحت له الباب لاكتشاف قدراته الصوتية، وأعطته شجاعة أكبر للتجريب.
في مطلع 2023 قدّم تراك "كاره"، حيث تزاوجت موسيقى الراي مع التراب. الكلمات البسيطة التي تحكي قصة شاب يترك حبيبته ويسافر ليعمل من أجل مستقبل أفضل له ولأمه، انسجمت تمامًا مع القالب الموسيقي. لم يكتفِ شاو بذلك، بل انفتح على مشاركات مع أسماء أخرى مثل "كبرنا مرض" مع هاكلر، حيث جسّد بيرسونا مشوشة يطاردها التوتر والبارانويا، تعكس قسوة حياة محفوفة بالمجازفات.
على الغلاف الفني لتراك "كاره" بدا أن شاو يشوق لألبوم قادم حيث كتب: "BLÉDARD" قريبًا، مشيرًا إلى عنوان المشروع، والذي يعني المهاجر الخارج من بلده في ظروف صعبة.
"BLÉDARD": المهاجر يفتح قلبه
في 2024 جمع شاو خيوط تجاربه السابقة ليصوغ مشروعًا متكاملًا عن المهاجر: ألبوم "BLÉDARD"، الذي غاص في تفاصيل الحياة بعيدًا عن الوطن، من العلاقات الممزقة إلى الخوف من الاندماج. في "Afrika" يفضّل أمه على حبيبته التي قد تهجره، وفي "أخي" يحذّر صديقه من أن تركه يعني الهلاك.
الألبوم الأول تنوّع موسيقيًا بين الأفرو بيت والتانغو والوتريات الإفريقية، مع لمسات من التراب، وجاء كله من إنتاج شاو الشخصي. لكن في أغسطس أصدر نسخة جديدة أكثر غنى، ضمت هيتات مثل "Babour Lou7"، "حلال وحرام" و**"والله"**، عكست مشاهد أعمق في رحلة المهاجر: من البحث عن الاستقرار إلى الحنين المستمر للوطن.
شارك في هذه النسخة المنتج عبد الصمد العتماني، إلى جانب أسماء أخرى مثل تريبل جو، حسان، ونايرا. الأغنية الأبرز كانت "بابور اللوح" بمشاركة حسان ونايرا، حيث أضافت نايرا أداءً أوبراليًا منح العمل طابعًا مأساويًا، فيما رسّخ اللحن الراي والأورغ هوية التراك. نفس الروح ظهرت في "Dazou Lyam"، ليؤكد شاو أنه أعاد صياغة الراي ضمن تجربة الراب بطريقة غير مألوفة.
تعاونات متجددة مع رابرز المشهد المغربي
بعد النجاح الكبير لألبومه، قرر شاو أن يرسّخ صورته كرابر مغربي أولًا. ظهوره صار ملموسًا في حفلات الجالية المغاربية هناك، حيث شارك على المسارح إلى جانب أسماء وازنة مثل ستورمي وديزي دروس وطانييه، كما اعتلى منصة عرض DVM بمشاركة ديستانكت، وشارك في برنامج Planete Rap على إذاعة SkyRock الشهيرة.
لم يتوقف عن مد جسور التواصل عبر الحفلات فقط، بل امتدت للتعاونات الموسيقية. في هذا العام فقط، اجتمع مع طانييه وزاك لوو في تراك "أمنيسي"، كما قدّم تراك "طف طف" رفقة أنيس وأولدي جات ذا ساوند، حيث نجحوا في مزج إيقاعات الأفرو بيت بالموسيقى الشعبية المغربية، ليؤكد مرة أخرى على قدرته في بناء جسور موسيقية تربط بين جذوره وتجربته الفنية العالمية.