بين حلم استعادة مجد قديم، ومخاطرة مواجهة جمهور جديد، يقف العائدون من الاعتزال على حافة الأضواء ساعين لملامسة بريق مفقود، بعضهم نجح، والبعض الآخر مازال يبحث عن شيفرة نجاح تناسب العصر.
لكن وفي جميع الحالات، تتركنا هذه التجارب مع فكرة واحدة، وهي أن الفنان، وحتى لو اتخذ بنفسه قرار الابتعاد بشكل حاسم، وابعتد عن جمهوره حتى نسوه كليًا، يبقى صعبًا عليه -كما ظهر في تجارب كثيرة نستعرضها تاليًا- أن يتجاوز علاقته بالفن، وأن يدوم اغترابه عنه طويلًا، وأن عودته للمحاولة من جديد قدر لا مفر منه.
لكن، كيف اختلفت عودة عن أخرى؟
فضل شاكر ظاهرة صيف 2025
بين الفريقين كان اسم فضل شاكر الأبرز في صيف 2025، الموسم الأهم في فصول عودته للساحة بعد محاولات متواضعة خلال العامين الأخيرين.
عاد فضل بمجموعة أغنيات تصدرت قوائم الاستماع هذا الصيف، حيث احتلت أغنيتي "صحاك الشوق" و"كيفك ع فراقي" المركزين الثاني والثالث في قائمة بيلبورد عربية "هوت 100"، واحتل فضل نفسه المركز الثاني في قائمة بيلبورد عربية "100 فنان" والتي تواجد فيها لمدة 69 أسبوعًا على التوالي .
نجاح كبير يؤكد أن عودة فضل شاكر من الاعتزال كان قرارا صائبًا، صاحبه اختيارات موفقة تؤكد هويتة الغنائية الطربية، والتي تجمع بين الرومانسية والسلطنة ليستعيد حالة فنية اشتاق لها جمهوره منذ اعتزاله عام 2012 وابتعاده عن الساحة.
دارين حدشيتي .. ألبوم بلا عنوان
على عكس النجاح المدوي لفضل شاكر، كانت عودة بعض الأسماء الأخرى أقل بريقًا، ربما بسبب الاختيارات "المُتكلسة" موسيقيا وكأنها قادمة من العقد الأول في الألفية، كما حدث مع الفنانة دارين حدشيتي التي عادت بألبوم جديد لم تحدد له اسمًا بعد، إلا أنها اكتفت باطلاق ثماني أغنيات منه على موقع "يوتيوب".
رغم غياب دارين عن الساحة لأكثر من 12 عامًا، وعودتها في 2018 بأغنيتي "قوم من وجي" و"بعدو إلي" إلا أنها لم تجد في هذه المحاولة ولو طيفًا من نجاحها القديم بأغنية "قدام الكل".
بدت اختيارات دارين نُسخًا مكررة من أغانيها القديمة، سواء على مستوى الكلمات، أو الألحان وبالطبع التوزيعات الموسيقية، وهو ما عكسته أرقام المشاهدات المنخفضة جدًا على مدار أسابيع حتى أن أعلى أغنياتها مشاهدة وهي "زي كل مرة" تجاوزت بالكاد عشرة آلاف مشاهدة!
ألين خلف .. "دلع الحبايب" لم يعد كافيًا!
من بين الأسماء التي أعلنت عودتها أيضًا ألين خلف أحد أيقونات عصر الفيديو كليب في مطلع الألفية، فرغم انطلاقتها عام 1996 بألبومها الأول "خايفة منك" إلا أن توهجها الحقيقي حدث عام 2000 مع صدور ألبومها "دلع الحبايب".
حققت ألين نجاحًا كبيرًا على المستوى العربي في فترة تعاونها مع مدير الأعمال المعروف جيجي لمارا والذي فض شراكته معها وانتقل لإدارة أعمال نانسي عجرم.
رغم ذلك لم تهتز مسيرتها بل واصلت النجاح في ألبومي "لو عندك كلام" و "صدفة"، إلى أن وصلت لعام 2009 حين انفصلت عن شركة "مزيكا"، ثم انشغلت بحياتها العائلية بعد الزواج.
استمر ابتعاد ألين عن الساحة طوال زواجها الذي استمر لعشر سنوات حتى أعلنت إنفصالها رسميًا عام 2023 ، وعادت من الاعتزال بأغنيتين هما "ماتقلي" و "لعيونك انت"، إلا أنهما لم يحققا النجاح المأمول، ومنذ عام تقريبًا أعلنت تحضيرها لألبوم جديد من إنتاجها يضم عشر أغنيات ولكنه لم يظهر للنور حتى الآن.
مايا نصري رحلة من الإكتئاب إلى الأمل
من بين الأسماء التي أعلنت عودتها من الاعتزال مايا نصري والتي غابت عن الساحة لسنوات طويلة على إثر خلافات قانونية مع شركة روتانا على حد تصريحاتها في أكثر من لقاء إعلامي.
كتبت مايا اسمها ضمن قائمة أهم نجمات لبنان في مطلع الألفية بأغنية "أخبارك ايه"، وحققت مسيرة ناجحة رغم قصرها، فبدايتها جاءت على يدي مكتشف النجوم سيمون أسمر، الذي قدمها للمنتج محمود موسى صاحب شركة "ريلاكس إن"، وهو بدوره عرفها على حميد الشاعري الذي كان مهندسًا لألبومها الأول وصنع لها هوية فنية مضمونة النجاح، ومن بعده انتقلت إلى روتانا لتحقق نجاحا كبيرًا في ألبوم "لو كان لك قلب" والذي تبعه ثلاثة ألبومات أخرى مع الشركة .
وسط نجاحاتها الموسيقية اتجهت مايا إلى التمثيل، والذي نال من مسيرتها كمطربة، خاصة وأنها اكتفت بما حقته فيه وتوقفت عن الغناء إثر محاولاتها فسخ تعاقدها مع روتانا.
اكتملت رحلة الاعتزال بزواجها واهتمامها بعائلاتها، وارتضت بما حققته في مسيرتها بعد أن حاصرها الاكتئاب، حتى فوجئت باتصال من إحدى الجهات المنظمة للحفلات في المملكة العربية السعودية لتدعوها للمشاركة في حفل لنجوم الألفية، وبالفعل غنت ووجدت ترحيبا كبيرًا من الجمهور، مما شجعها على التفكير في العودة معلنة أنها ستبدأ تحضيراتها لأغاني جديدة في الفترة القادمة.
طريق يوري مرقدي .. وقوف متكرر!
على العكس من الأسماء السابقة كانت فرص الفنان يوري مرقدي أكبر بكثير للبقاء على الساحة، ولكنه اختار الاعتزال وسط مسيرة ناجحة.
بدأت هذه المسيرة بأغنية "عربي أنا" التي غيرت مفاهيم "الهيت" في مطلع الألفية، وفتحت مساحات جديدة للغناء باللغة الفصحى كلمات جريئة ووضعها في قوالب موسيقية متطورة.
بعد ألبومه الرابع "يا قاسي" أصيب يوري باكتئاب حاد قال أنه بسبب عُقدة نجاح "عربي أنا" الذي لم يتكرر، ورغم أنه أصبح أكثر شهرة وانتشارًا ترك كل ذلك وهاجر إلى كندا مع عائلته واستقر هناك لسبع سنوات كاملة.
لم يخطط يوري للعودة إلا بعد انفصاله عن أم بناته وزواجه للمرة الثانية، وهي التجربة لكسر عزلته عام 2015 بطرح ألبوم "أنا الموقع أدناه" ليحكي فيه الكثير عن تجاربه الشخصية، إلا أن الألبوم لم يمنحه دفعة كافية لعودة فنية مستقرة، فعاد ليعلن الاعتزال مجددًا بعد جائحة كورونا، واستمر الاعتزال لأربع سنوات تقريبًا إلى أن عاد بأغنية "شوجر دادي" العام الماضي، معلنا عن رغبته في مواصلة مسيرة الغناء ولكن بفلسفته وأفكاره دون التزامات واضحة تجاه الجمهور.
الواضح في محاولات عودة الجميع أن الاستثناء الوحيد كان فضل شاكر لأسباب عدة أهمها اعتمادة على لون غنائي طربي ليس مرتبطًا بزمن أو موضة، بل ضارب في جذور الأصالة والهوية الشرقية، بعكس بقية الأسماء التي كان ظهورها الأول انعكاسًا لشكل الأغنية في مطلع الألفية، ومع تغير الـ"جنرات" الموسيقية، وتبدل الأذواق كانت العودة صعبة، وتحتاج لتغيير جذري يخاطب الأجيال الجديدة.