عندما وقف فضيل على مسرح "قصر بيرسي" ليغني مع الشاب خالد ورشيد طه في حفل "1,2,3 Soleils" بدا وكأنه يحلق في السماء فرحًا، ولكن "أمير الراي" الشاب لم يتوقع أن تنتهي رحلة الشهرة سريعًا.
فضيل بيلوه ابن لعائلة جزائرية مهاجرة لفرنسا. ولد عام 1978 في ضاحية مولان بباريس. اكتشف ميوله الفنية وهو طفل في حفلات المدارس، وفي عمر الثانية عشر انضم لفرقة موسيقية صغيرة تدعى "نجوم الراي".
عُرف اسم فضيل في ضواحي باريس وأماكن السهر من خلال الحفلات الصغيرة التي كانت تحييها الفرقة، إلى أن قدمه الشاب مامي في حفل له عام 1991، وعُرف أكثر عندما غنى في افتتاحية حفل للشاب خالد في العام التالي. غير أن شهرته ذاعت بعد ظهوره في منتصف التسعينيات في برنامج تليفزيوني بالقناة الثانية الفرنسية، حيث قدم أغاني شهيرة من الراي لخالد ورشيد طه وغيرهم، فالتقطه المنتج محمد مستار المعروف بـ"ميمو"، أشهر منتجي موسيقى الراي في فرنسا، ليتبني موهبته ويقدمه للساحة.
رأى ميمو في فضيل مشروع نجم أقرب لهوى ومزاج أبناء المهاجرين الغرب، هو يشبهم إلى حد كبير في تفاصيل النشأة والحياة. قدم ميمو الصوت الشاب فُضيل عام 1997عندما أنتج له ألبومه الأول "بيضا" أو "Baida"، عبر شركة "ميركوري ريكوردز" (تغير اسمها فيما بعد إلى "بوليجرام" ثم إلى "يونيفرسال ميوزيك") وهو ما دعم فُضيل بقوة في بداية مسيرته.
أمير الراي الجديد
ضم الألبوم 11 أغنية وحقق نجاحًا ساحقًا، حيث وزع في فرنسا وحدها 350 ألف نسخة خلال الشهور الأولى من طرحه، وتصدرت أغانيه قوائم المبيعات الفرنسية لأكثر من ستة أشهر بسبب الأغاني الناجحة مثل "Tellement N'brick" (أو "أحبك كثيرًا") ، وأغنية "بيضا" التي تشير للقب مدينة وهران الجزائرية المعروفة بهذا الاسم.
الملفت أن فُضيل قدم في هذا الألبوم تنوعًا واضحًا في الموضوعات، بين الغناء العاطفي والحنين للجذور والوطن، وفقدان الهوية والاغتراب، والحلم الإنساني والأمل في الغد، وأخرج كل هذه القصص في قوالب موسيقية تمزج بين الراي والجاز والبوب وكذلك الفلامنكو، لكنه احتفظ فيها جميعًا بالبصمة الشرقية عبر استخدام الطبلة والعود كعناصر أساسية فيها.
في العام التالي وتحديدًا في صيف 1998 كان فضيل على موعد مع الحدث الأهم في مسيرته الفنية عندما شارك مع الشاب خالد ورشيد طه في حفل "1,2,3 Soleils"، أو "الشموس الثلاثة"، الذي يعد الحفل الأضخم في تاريخ موسيقى الراي وشارك فيه عشرات العازفين من مختلف أنحاء العالم، وأصدرت شركة "باركلي" المنتجة له أسطوانه تضم أغاني الحفل، بيع منها مليون نسخة تقريبًا، ونالت جائزة "الموسيقى العالمية" بموناكو.
هذا النجاح شجع الثلاثي على تقديم أغنية مشتركة عام 1999 هي "دايما" المأخوذة من لحن أغنية "My way" لفرانك سيناترا ، ونجحت نجاحًا كبيرًا هي الأخرى.
أطلقت الصحافة على فضيل لقب "أمير الراي" الذي جاء ليكمل مسيرة من سبقوه ويحمل لواء هذا الفن الجزائري الأصيل، فأطلق ألبومه الثاني Samra أو "سمراء"، وفيه مال إلى موسيقى البوب لكنه أبقى على ملامح من الراي، مثلما في أغنية "ليلة" التي حققت انتشارًا كبيرًا.
ورغم نجاح الألبوم إلا أن فضيل بدا وكأنه يُقلص من مساحة حضور الراي في أغنياته، وهو ما استمر في تجربته الثالثة عندما أطلق ألبوم "Un Autre Solei" عام 2003، الذي ظهر متشبعًا بموسيقى البوب الأوروبية. وكما هو متوقع لم يخطُ به أي خطوة للأمام بل انخفضت مبيعاته.
فخ السياسة ومحاولة انتحار
كانت مسيرة فضيل الفنية مستقرة حتى عام 2007 عندما أعلن تأييده لترشح نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وهي القشة التي قسمت ظهر شعبية فضيل في أوساط العرب المهاجرين والأفارقة الذين اعتبروا موقفه اصطفافًا مع سلطة متهمة بالتمييز ضدهم، خاصة وأن ساركوزي كان يروج في خطابه السياسي لأفكار تناهض المهاجرين.
لم يتوقع أحد أن هذا الموقف السياسي سيدمر حياة فضيل تمامًا، فألغيت العديد من حفلاته وخشي مُنتجه من طرح ألبوم جديد له بعد "Mundial Corrida" الذي صدر قبلها بعام. ونتيجة لهذه الضغوط سقط فضيل ضحية للاكتئاب مما دفعه نحو محاولة انتحار فاشلة.
ابتعد فضيل عن الأنظار ، وغرق في مشاكله العائلية التي دخلت ساحات المحاكم وانتهت بالطلاق عام 2010. وخلال هذه الفترة حاول مواجهة انهياره النفسي بكتابة مذكراته التي صدرت بعنوان "مسيرة طفل من الحي الشعبي".
اعتذار وندم .. ولكن!
عاد فضيل مجددًا للظهور الاعلامي، وفي لقاء مع صحيفة Le Parisien تحدث عن أسباب دعمه لساركوزي، حيث برره بأنه تأثر بخطابة حول التنوع وعدم التمييز وكذلك لوجود شخصيات مغاربية في تشكيل حكومته. لكنه أعلن ندمه الشديد على مواقفه السياسية وتمنى لو عاد به الزمن ليتراجع عنها.
وفي عام 2011 تزوج للمرة الثانية من سيدة مغربية وأنجب منها طفلين، وانتقل للعيش معها في مراكش، حيث استقر هناك منذ سنوات وحصل على الجنسية المغربية.
عرفت حياته العائلية الاستقرار، إلا أن حياته الفنية ظلت فاترة. فرغم محاولاته للعودة بحفلات منذ عام 2018 إلا أنه لم يحقق حضورًا واضحًا، ولم تنتشر أغانيه المنفردة التي طرحها من حين لآخر. إلى أن أصدر في مطلع هذا العام أغنية بعنوان "Fati"، تلاها بأغنية أخرى بعنوان "Peace W Ghaya" لم تكسر حاجز الـ 200 ألف مشاهدة على منصة يوتيوب حتى الشهر الماضي. لكن هذا لم يمنعه من الرغبة في العودة بألبوم كامل بدأ التحضير له منذ فترة ولكنه لم يحدد موعدًا لصدوره.