المنافسة في البوب العربي اليوم لا تشتعل خلف الكواليس فقط، بل تنفجر أحيانًا في قسم التعليقات.
ففي الأسابيع القليلة الماضية، هيمنت أغنيتان على صدارة قائمة بيلبورد عربية هوت 100. احتلت "خطية" لبيسان إسماعيل وفؤاد جنيد المرتبة الأولى للأسبوع الثاني على التوالي، تليها "ملكة جمال الكون" للشامي وتامر حسني في المرتبة الثانية. أدت المنافسة المحتدمة إلى حرب كلامية شبه يومية بين الجمهور على السوشال ميديا، بينما يلتزم النجمان الصمت.
إنجازات ترصدها القوائم
نجومية الشامي في العامين الماضيين كانت الظاهرة الأبرز في الصناعة الموسيقية العربية بلا منازع. صعد بسرعة صاروخية لصدارة منصات الاستماع. أوصلته هيتات "يا ليل ويالعين" إلى "وين" و"دوالي" و"دكتور" لأربع جوائز بيلبورد عربية للموسيقى نهاية 2024، كما دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية، كونه أصغر فنان يتصدر قائمة بيلبورد عربية هوت 100.
ثم دخلت بيسان إسماعيل على الخط في الأشهر الماضية. بدأت الفنانة الشابة خلال العام الماضي تخوض أولى محاولاتها الجدية لاحتراف الغناء. التقط رادار القوائم أغانيها الأولى مثل "العشر كفوف" و"يا خلي" ثم "الحربين"، لكن صدور "خطية" مع فؤاد جنيد أوصلها في وقت قياسي إلى المرتبة الأولى على قائمة هوت 100.
بيف غير معلن في عالم البوب؟
مع ارتفاع أسهم بيسان، تصاعد التوتر بين جمهورها وجمهور الشامي وانعكس في قسم التعليقات. مؤخراً أصبح محور الخلاف هو الملحن والموزع فؤاد جنيد، الذي عمل على تنفيذ الإنتاج الموسيقي لجميع هيتات الشامي في 2024. يرى البعض أن جنيد انسحب من مشروع الشامي مع تصاعد نجوميته، واختار أن يظهر كمغنٍ لأول مرة إلى جانب بيسان — خطوة يعتبرها جمهور الشامي محاولة لخطف الأضواء.
ورغم أن أي من الفنانين، وحتى فؤاد جنيد نفسه، لم يعلقوا على ذلك، ولم يتحدثوا علنًا عن أي خلاف، إلا أن الجمهور على المنصات يتعامل مع هذه النظرية وكأنها أمر واقع ويتبادلون الهجوم عبر آلاف التعليقات. يصرخ جمهور الشامي بعدم أحقية بيسان وفؤاد بالصدارة منذ الهيت الأول، وبأن بيسان "مجرد يوتيوبر" وفؤاد "ليس مغنيًا أساسًا"، فيما ينعتهم جمهور بيسان بـ "الأطفال" الذين لا يتقبلون ولا يعترفون بنجاحات الآخرين.
كيف وصلنا إلى هنا؟
بالنسبة للكثير من الجمهور الأكبر سنًا، من الصعب استيعاب كيف تحوّلت أسماء جديدة إلى أكثر الفنانين استماعًا من العالم العربي. لكن قسم التعليقات على صفحات بيلبورد عربية يقدّم لمحة عن علاقة الجيل زد بالموسيقى والمنصات.
يدعم الشامي، مثلاً، جيش من المعجبين على السوشال ميديا. يغزون أي منشور يذكر اسمه -سلبًا أو إيجابًا- وكأنهم مجموعة ضغط تعمل بشكل منظم. ولد هذا الجيش بعد أن أمضى الشامي سنوات يتواصل مع أبناء جيله على تيك توك، ويبني قاعدة جماهيرية منذ محاولاته الموسيقية الأولى في الراب والإندي. وحين انفجر في عالم البوب، أصيب أبناء جيله الذين تابعوا رحلة صعوده منذ خطواتها الأولى بـ "هستيريا الشامي".
لكن، والحق يقال، فإن حفلات الشامي الحية قد أثبتت أن حضوره على أرض الواقع له نفس الثقل الذي يتمتع به حضوره الإلكتروني. ففي العام الأول من نجوميته، طاف الشامي محطات عديدة ضمن جولة عالمية، وتشارك المسرح في استادات كبيرة مع أسماء مثل جورج وسوف وتامر حسني.
أما بيسان إسماعيل، فعرفت النجومية وهي في الخامسة عشر من عمرها كيوتيوبر ومؤثرة، تشارك على قناتها مقاطع مقالب ويوميات -وتعبر أحيانًا عن حبها للغناء- وراكمت عبر السنوات ملايين المتابعين من جيلها. أدخلتها شهرتها دوائر واسعة مكنتها من الدخول بسهولة إلى عالم الفن. ثم سحبت متابعيها معها إلى مغامرتها الموسيقية الناجحة حتى الآن.
أما بعد؟
ما نراه ليس مجرد خلاف فني. إنه انعكاس لتحوّل أكبر: في زمن المنصات والسوشال ميديا، بات الجمهور يُبنى قبل أن تُصنع الأغنية في بعض الأحيان. ونجوم الجيل الجديد يعرفون تمامًا كيف يروّجون لأنفسهم.
لكن التحدي الحقيقي ما زال قائمًا: الاستمرارية. فالجماهير قد تتغير، والخوارزميات لا تضمن الولاء. وحده الفنان الذي يصنع هيتات متتالية على مدى سنوات سيكتب اسمه في الذاكرة الجماعية للجمهور... لا فقط في قسم التعليقات.