في تاريخ الغناء العربي، لم يكن "الإكس" مجرد ذكرى عابرة؛ أحيانًا يتحوّل إلى خصم يُحاكم علنًا في أغنية، يُلعن ويُفضح بلا رحمة.
الكثير من الأغاني كُتبت للحبيب السابق (الإكس)، الذي يظل حاضرًا حتى بعد غيابه. بعضها ينحاز للحنين الرقيق، مثل فيروز في "بتذكرك بالخريف"، حيث يتحوّل الغياب إلى موسم من الذكريات المعلقة في الهواء. وبعضها يتكلم بجرأة عن العجز عن المضيّ قدمًا، كما في اعتراف رامي صبري في "حياتي مش تمام". فيما يكابر آخرون ليقولوا إنهم تخطّوا كل شيء، كما فعل وائل كفوري في "بيحن"، أو يتأملون الأنقاض ويقيمون أنفسهم خلال العلاقة، كما في "غلطة" لهاني شاكر. وهناك أيضًا مساحة واسعة للأغاني التي تغرق في بكائيات الفقد والغدر، تربط بين الذكرى والخذلان، لتبقى العلاقة جرحًا مفتوحًا في الأغاني.
لكن بين كل هذه الأصوات، يطلّ لون آخر أكثر حدّة وصدامية: أغنيات لا تكتفي بالبوح ولا بالمكابرة، بل تفتح الباب لجرحٍ متوحّش يصرخ بما يجول في الخاطر، ليتحوّل الغناء إلى ردح، حيث الكلمات تأتي كالسكاكين، مليئة بالإهانات والدعوات والويلات، يقال كل شيء فيها صراحةً دون أي محاولة للتجميل. هذا اللون يكسر ما هو مألوف في الغناء العاطفي العربي، ليجعل من الأغنية مواجهة مباشرة مع الإكس، مواجهة لا مكان فيها للرحمة أو التردد. إليكم أبرز الأغاني التي تنتمي لهذا اللون:
أمل حجازي ـ ويلك من الله
في أغنية "ويلك من الله"، تضع أمل حجازي الإكس في قفص الاتهام، وتقوم بمحاكمته وإذلاله، تبدأ الأغاني وكأنها بمرافعة، تنهال عليه بالاتهامات: "عيشتني كذبة/ وعملتني لعبة". وبعد توصيف العلاقة، يقودها ألم الذكريات للانفجار وتطالب بتحقيق العدالة الإلهية والقصاص: "في الله ويلك من الله/ يا ظالم عن قلبي تخلى". ولا تكتفي عند هذا الحد، بل تنهي اللازمة بتوجيه إهانة مباشرة، حيث تطعن برجولة الإكس: "كنت مفكرتك رجال". إنها واحدة من أكثر الأغاني انفعاليةً وقسوة، وبالتأكيد لن يرغب أي رجل بأن تهديه إياها امرأة.
أصالة ـ مبقاش أنا
في "مبقاش أنا" ترسم أصالة مصير الإكس وتنطق عليه بحكم حتمي ينذره بالندم والبؤس. كل جملة في الأغنية تُبنى على فرضية واحدة: أنه سيذل، سيبكي، وسيكتشف متأخرًا أن حياته بلاها لا معنى لها. لا مخرج أمامه. فالمعاناة عقوبة حتمية، والندم ثمن لا فكاك منه: "لو ما ندمتش على الأيام اللي ابعدتها/ لو ما دفعتش ثمن الغربة اللي أنا عشتها/ لو ما شربتش كاس المر اللي شربتها/ مابقاش أنا."
قوة الأغنية تتضاعف مع أداء أصالة الانفعالي وصرخاتها التي لا تبدو بكائية تمامًا ولا رومانسية، بل تبدو كتعويذة ساحرة تلقيها على الإكس، الذي تتلذذ بتخيل مصيره وبكائه حين تطارده لعنة الندم إلى الأبد.
رامي صبري ـ بياع
لا يكتفي رامي صبري بفضح خيانة الإكس وتوصفها، بل يحولها إلى ذريعة للمطالبة بعقوبة طويلة الأمد. منذ البداية يُسلّع الإكس: "بياع ولازم يتساب ويتباع"؛ تعبير لا يصف فقط الخيانة، بل يستخدمه لنزع إنسانية الحبيب السابق ويحوّله إلى سلعة قابلة للتداول.
الأغنية تسجّل سلسلة من الدعوات المتواصلة: أن يعيش في سنين أوجاع، أن يرى مأساته ويعيشها، أن يظل تعبانًا مكسورًا وخسران. حتى استعارة "عشم إبليس"، تتكرر كتعليق ساخر ينسف أي أمل بالعودة أو الصفح.
وجدير بالذكر أن رامي صبري له العديد من الأغاني التي تحمل ذات الثيمة، منها "فقدت الأمل فيكي"، التي تبدو صدى لذات الفكرة، ويرد فيها: "بياعة وملكيش عزيز وبتمشي وتبيعي في ثانية/ خسرانة وهتعيشي بعدي مكروهة من كل الدنيا".
مهى فتوني ـ الصبر جميل
في أغنيتها الأشهر "الصبر جميل"، صاغت مهى فتوني أغنية جارحة كالسكين، هي عبارة عن توصيف للتظلم يرافقه اتهامات ودعاء صريح ضد الإكس. في مدخل الأغنية تبين مهى فتوني أن المعاناة مستمرة: "أنا شوفت كثير منك وخلاص أهو فاض بيّ"، قبل أن تطلق العنان لجرحها، لتصرخ بالدعوات والويلات، مع رجائها بأن العدالة الإلهية ستنصفها: "هستعوض ربنا في الوقت المهدور وياك/ وهكون كسبانه مادام قدام هتفادى اذاك/ والله دا عدل وعين العقل إنك تتساب/ لو هدعى عليك صدقنى دا حقك مش ظالماك".
كريم محسن ـ بدعي عليك
في "بدعي عليك" يصل الغضب إلى مستوى عنيف وصريح، لتكون الأغنية عبارة عن دعاء وتمني بأذى دائم للإكس: " بدعي عليك وبحسبن/ روح انشالله ما تتحسن/ وتعيش طول عمرك تحزن/ ولا تفرح يوم". والأغرب أن الأغنية تتضمن تهديدات بالأذية المباشرة، بلغة من الممكن استخدامها كدليل إدانة بحال حصلت جريمة: "لو بإيديا ألحقك/ ده أنا بإيديا أغرقك".
لعلها الأغنية الأكثر قسوة على هذه القائمة، فهي تعبّر عن رغبة في أن يعيش الإكس مكسورًا ومهزومًا وربما أن يموت أيضًا. وتكرار الدعوات على مدار الأغنية يحولها إلى ردح، وصوت كريم محسن، الذي يبدو نابعًا من قلب مكسور يعزّز طابعها الانتقامي.
شمة حمدان ـ الله لا يسامحك
في "الله لا يسامحك" تتوجه شمة حمدان بخطاب مباشر إلى الإكس، يختصر كل شيء في جملة واحدة تحمل شحنة غضب ورفض مطلق. الأغنية لا تبحث عن مبررات ولا تفتح بابًا للعودة، بل تعلن القطيعة عبر الدعاء بحرمانه من الغفران. قد يكون أداء شمة حمدان يجعلها أقل حدة من باقي الأغاني التي تتبنى ذات اللغة، ولكن هدوئها يبدو انعكاسًا للصرامة والقوة أيضًا.
نداء شرارة ـ آسف لمين
في أغنيتها الأخيرة، "آسف لمين"، تكشف نداء شرارة وجهًا غاضبًا ومتمرّدًا لم يظهر بوضوح في أغنياتها السابقة. الأغنية حادة، تعلن بها الشماتة بالخائن والتمني بأن يلقى عقابه: "ده أنا لو بإيدي أتمنى شر الدنيا ليك". ما يميز الأغنية هو صدق الانفعال المباشر، وصوت نداء الذي يمزج بين الشجن والغضب ليمنح الكلمات قوة إضافية. هي أغنية تضع الإكس في مواجهة مصيره بلا أي محاولة للتجميل، لتقف بوضوح ضمن هذا اللون من الأغاني العربية الجارحة.