إذا كنا نعتبر عام 2025 عامًا ذهبيًا للموسيقى العربية، فإن الفضل لا يعود فقط إلى النجوم الذين يعتلون خشبات المسرح ويتصدرون الشاشات، بل يمتد إلى المبدعين الذين يقفون خلف الكواليس، يصيغون الألحان والكلمات والتوزيعات التي تتحول إلى هيتات تتردد على ألسنة الملايين. في هذا المقال، نسلّط الضوء على أبرز صنّاع الموسيقى الذين أثْروا المشهد بأفكارهم وابتكاراتهم هذا العام، وأسهموا في صياغة مشاريع موسيقية متنوّعة من البوب المصري إلى الإندي العربي والموسيقى الخليجية والمغاربية، لنكشف كيف تتضافر المواهب خلف الستار لبناء ملامح المشهد الموسيقي العربي في 2025.
مشهد البوب المصري: عزيز ومنة وتامر وحدوتة ومدين!
في مشهد موسيقي يضج بالأسماء، هناك من يثبت نفسه عامًا بعد عام، ليس فقط بالحضور الكثيف، بل بالتأثير المباشر على شكل الإنتاج الغنائي. عزيز الشافعي أحد هؤلاء، إذ أصبح اسمه مرادفًا للأغنية الناجحة، سواءً كملحن أو شاعر. يمكن القول إنه بات يمتلك "وصفة النجاح" التي تُحول أي عمل إلى هيت، حتى إذا كان إعلانًا ترويجيًّا أو تتر مسلسل.
في عام 2025 قدم عزيز موسمًا رمضانيًا مزدحمًا بالمشاركات، فتعاون مع شيرين عبد الوهاب في الأغنية الإعلانية "أكتر وأكتر"، كما تعاون مع تامر حسني، وإليسا، وآمال ماهر، ومحمود العسيلي. لكن ربما كانت أبرز تعاوناته هي تلحين ثلاث أغنيات لأحمد سعد من ألبوم "حبيبنا"، ومثلها لعمرو دياب من ألبوم "ابتدينا"، منها "ما تقلقش" التي كتبها ولحنها ووصلت إلى مراكز متقدمة في قائمة بيلبورد عربية هوت 100.
من جهة أخرى تبرز الشاعرة منة القيعي كأحد الأسماء التي فرضت نفسها بقوة في الأعوام الأخيرة. ويبدو أن تعاونها المتكرر مع عزيز الشافعي شكّل ثنائية لافتة. هذا العام، قدم الثنائي تتر مسلسل "وتقابل حبيب" بصوت إليسا، إلى جانب أكثر من إعلان غنائي بصوت أحمد سعد، ما يعكس تنوع مواضيعها وتكيفها مع مختلف الألوان الموسيقية. كما كتبت أغنية "كل سنة" لمحمود العسيلي، التي تجاوزت فكرة الإعلان ونالت شعبية واسعة وأصبحت أحد أكثر الأغاني شيوعًا في أعياد الميلاد.
سبق ذلك مشاركتها في ألبوم "حبيبنا" بداية العام الحالي مع أحمد سعد، الذي حققت معه نجاحًا هائلًا الأعوام الماضية بأغنيات من بينها "إيه اليوم الحلو ده"، وشاركت أيضًا بأغنيتين في ألبومه الأخير "بيستهبل"، هما "بالونة" و"شفتشي". هذا بالإضافة إلى هيت "صاحبي يا صاحبي" مع بهاء سلطان، علاوة على تحقيق أحد أحلامها بكتابة أغنية للهضبة هي "يا بخته".
وإذا تحدثنا عن غزارة الحضور هذا العام، لا يمكن تجاهل اسم الشاعر تامر حسين، الذي تواجد بقوة في معظم الألبومات البارزة. ففي ألبوم "ابتدينا" لعمرو دياب كتب خمس أغنيات من بينها "خطفوني" و"ابتدينا"، اللذين لحنهما عمرو مصطفى. كما كتب ثلاث أغنيات في ألبوم "نانسي 11" وأسهم في انطلاقة ألبوم حسين الجسمي الأخير بأغنية "مستنيك" التي حققت تفاعلًا واسعًا فور صدورها.
ومن المحطات اللافتة أيضًا، كتابته لدويتو "الذوق العالي" الذي جمع بين محمد منير وتامر حسني وكان آخر أعمال الراحل محمد رحيم. كما كتب أغنيتين ضمن ألبوم بهاء سلطان القصير "رسيني"، إلى جانب ثلاث أغنيات في ألبوم رامي صبري "أنا بحبك إنت" من بينها "مستغرب إنت" التي دخلت قائمة هوت 100. هذا بالإضافة إلى تعاونه مع عدد آخر من الفنانين مثل محمود العسيلي ومي فاروق وأبو، ما يعكس تنوع الألوان التي يتعامل معها.
والأمر ذاته ينطبق على الشاعر الغنائي مصطفى حدوتة، وقد ترك بصمة لافتة في أبرز ألبومات العام، بدءًا من ألبوم الهضبة مع أغنية "قفلت اللعبة"، وألبوم النجمة أصالة مع أغنية "عندي اكتفاء"، وأغنتين برزتا ضمن ألبوم نانسي عجرم وهما "يا قلبو" و"سيدي يا سيدي" إلى جانب كتابته كلمات العديد من الأغاني للطيفة وجنات ومحمد رمضان وغيرهم الكثير.
الملحن مدين أيضًا كان له حضور قوي هذا العام، إذ قدم ألحانًا اتسمت بالتنوع والتجديد، ورفضت الوقوع في فخ التكرار رغم الكم الكبير. في ألبوم مي فاروق "تاريخي" أبدع خمسة ألحان، بينما حملت الأغنية الرئيسية في ألبوم أحمد سعد "حبيبنا" توقيعه. كما لحن أغنيتين في ألبوم تامر عاشور "ياه" هما "جم شرفوا" و"ماشيين"، وقدم لأصالة أغنية "ضريبة البعد"، وهي من الأغنيات التي لاقت صدى واسعًا فور صدورها.
تنوع مدين لم يتوقف هنا بل امتد للتعاون مع رامي صبري، ونوال الزغبي، علاوة على حضور بارز في ألبوم آمال ماهر بأغنيتي "مضمونة" و"نسيت اسمي"، إلى جانب أغنية "حفلة تخرج من حياتي" في ألبوم تامر حسني "لينا معاد". ورغم هذه المشاركات المتعددة، حافظ مدين على تنوع واضح في ألحانه، ورسَّخ مكانته كأحد أكثر الملحنين إنتاجًا وتجددًا في الساحة الموسيقية لهذا العام.
إسماعيل نصرت والانتقال بين العوالم
في مشهد الإندي والهيب هوب في مصر برز اسم إسماعيل نصرت كأحد أكثر الأصوات تميزًا خلف الكواليس، بفضل تجاربه المتنوعة التي كسر بها الصورة النمطية للمُنتج الموسيقي المرتبط بجنرا موسيقية واحدة. اشتهر نصرت بتعاونه مع عدد من رموز الراب المصري مثل عفروتو وزياد ظاظا، وكان له دور مهم في تراك "فودو" الصادر العام الماضي.
غير أن عام 2025 شهد تحولًا جديدًا في تجربته الموسيقية، مع توجهه نحو الإندي-بوب وتجارب صوتية أكثر نعومة وعاطفية، كما في أغنية "لو نسياني" التي جمعت بينه وبين ليجي-سي، وعرفت الجمهور على جانب جديد منه. واستمر التعاون بينهما في دويتو جمع بين ليجي-سي وظاظا بعنوان "ولا مين"، الذي جاء مختلفًا من حيث البنية والإحساس، ما مكَّنهما من دخول أكثر من قائمة من قوائم بيلبورد عربية ضمن مراتب متقدمة.
إسماعيل نصرت شارك أيضًا في ألبوم أحمد سعد القصير "بيستهبل" من خلال تعاونه مع الموزع أحمد طارق يحيى في توزيع أغنيتين هما "أخويا" و"اتحسدنا" وهي أغنيات بوب خالصة. أما التجربة الأكثر شاعرية التي قدمها هذا العام فكانت مع زياد ظاظا في الألبوم القصير "باليني"، وهو مشروع تميز بالعمق العاطفي والتجريب الصوتي، حيث لعب التوزيع الموسيقي دور البطولة، وظهرت فيه لمسات إسماعيل بشكل واضح، مع حضور قوي للآلات الحية مثل الكمان والجيتار. هذا الألبوم أثبت أن المشهد البديل في العالم العربي بات يحوز أدواته الخاصة ورؤيته المتفردة، ويمتلك صناعًا قادرين على الانتقال بسلاسة بين العوالم الموسيقية دون فقدان هويتهم.
المشهد الخليجي وقوة الكلمة واللحن
في المشهد الموسيقي الخليجي، شهد عام 2025 احتفاظ عدد من المبدعين، على مستوى الألحان أو الصياغة الموسيقية المعاصرة، بمكانتهم كقوة إبداعية مؤثرة. ولعل من أبرز هؤلاء الملحن ياسر بوعلي الذي شارك في ألبوم عايض بأغنيتين هما "سلام" و"ملامح غربتي"، مؤكدًا استمراره في تقديم أعمال تتسم بالبساطة اللحنية والعمق العاطفي. أما الملحن راكان فقد ترك علامة مميزة في الألبوم نفسه من خلال أربع أغنيات، بينها "طلعت أبيه" التي أثبتت نجاحها الجماهيري واحتلت مكانة متقدمة على قائمة أعلى 50 خليجي. بينما قدم الملحن سهم تجربة متميزة في دويتو "الضلع العوج" الذي جمع بين صوتي أميمة طالب وفهد الكبيسي بتناغم شديد العذوبة، حتى وإن لم يكن يحصد مشاهدات كبيرة حتى الآن.
أما الموسيقار الدكتور طلال فكان له حضور مختلف هذا العام، تمثل في مشروع ضخم مع فنان العرب محمد عبده في ألبوم "الوفاء للبدر"، الذي يُعد بمثابة تحية شعرية موسيقية لصاحب الكلمات الشاعر الأمير الراحل بدر بن عبد المحسن. كما لحن أغنيتين بصبغة موسيقية كلاسيكية ضمن ألبوم نجوى كرم الأخير "حالة طوارىء". لم يكتفي طلال بالتعاون مع الأسماء الكبيرة، بل مدَّ جسورًا فنية مع جيل جديد من الأصوات من بينها يسرا محنوش، التي تولى تلحين كامل ألبومها الصادر هذا العام. بالإضافة إلى تعاونه مع شيماء هلالي في أغنية "أنت حبك"، ليبرهن على تنوعه وحرصه على تقديم ألحان تتناسب مع طبيعة كل صوت.
جمانة جمال وثنائية لافتة مع فضل شاكر
رغم أن اسم الشاعرة والملحنة جمانة جمال ليس جديدًا على الساحة، حيث تعاونت على مدار السنوات السابقة مع عايض و كاظم الساهر، ولكن حضورها هذا العام كان مختلفًا، خصوصًا في ظل ارتباطها الوثيق بفضل شاكر، الذي شكلت معه ثنائية فنية لافتة. كانت بداية التعاون بينهما بمثابة إعادة تعريف لصوت فضل في مرحلة عودته حيث ساهمت جمانة عبر كلماتها وألحانها في منحه بعدًا جديدًا أكثر حساسية وصدقًا، ما انعكس بوضوح في النجاح الساحق لأغنية "أحلى رسمة" التي تصدرت قائمة هوت 100 وأصبحت واحدة من أنجح أغنياته في السنوات الأخيرة.
ومن بين أبرز الشراكات التي أثمرت عن هذا النجاح، تعاونها مع الموزع الشاب حسام صعبي، حيث شكل الثلاثي خلطة فنية استثنائية برزت في أغنيات مثل "وغلبني" التي غلبت عليها التوزيعات الشرقية، و"الحب وبس" وهما عملان تركا أثرًا كبيرًا لدى الجمهور العربي وأعادا فضل شاكر إلى قلوب المستمعين بمنتهى البساطة كأنه لم يغب عنهم من الأساس.
الفنان المتكامل
إحدى الظواهر الحميدة التي ظهرت بقدر أكبر من الوضوح هذا العام هي ظاهرة الفنان المتكامل، الذي يصنع تجاربه الفنية بنفسه، ما يساعده على الإمساك بكل خيوطها، وإنتاج أعمال تعبر أصدق تعبير عما في قلبه.
من بين هؤلاء نذكر الشامي، الذي يكتب ويلحن لنفسه، مقدمًا تجارب غنائية تعبر عنه بصدق بعيدًا عن القوالب الجاهزة. كما يواصل تووليت بناء مساره الفني الخاص، بعد النجاح اللافت الذي حققه العام الماضي، مُصرًا على تقديم فن نقي يُشبهه دون مجاملة لحسابات السوق.
وفي المشهد المغاربي تبرز مجموعة من الفنانين الذين يتولون كتابة وتلحين أغانيهم بأنفسهم، مشكلين ما يشبه حركة فنية قائمة على الاستقلالية سواءً في الشكل أو المضمون. ورغم أنهم لا يعملون على بنية الأغنية العربية التقليدية، تُثبت نجاحاتهم أن الذائقة الجماهيرية أصبحت أكثر انفتاحًا على التجدد، وأن النجومية لم تعد حكرًا على الإنتاج الضخم، بل يمكن تحقيقها من خلال الصدق والإبداع الشخصي.
هذه الأسماء وإن لم تظهر جميعها في الواجهة الإعلامية بنفس الزخم إلا أنها تفرض حضورها على الساحة من خلال الأغنيات الضاربة التي تحقق انتشارًا واسعًا عبر المنصات الرقمية والتفاعل الجماهيري، مما يجعلها جزءا لا يتجزأ من مشهد 2025 الموسيقي.
* مقال ضمن سلسلة "العام الذهبي للأغنية العربية" التي تتتبع نشاط المشهد الموسيقي الاستثنائي للعام 2025