بعد ترقّب طويل، أصدرت نانسي عجرم ألبومها المنتظر "نانسي 11"، الذي يضم 11 أغنية تتوزع بين الرومانسية والدرامية والمرحة، وتتنقل بين أساليب غنائية وإيقاعية مختلفة.
في هذا الألبوم، نلمح نانسي وهي تتنقّل بخفة بين هويّاتها المتعددة: الحبيبة الرقيقة، المرأة المشاكسة، الفتاة المرحة، والعاشقة الناضجة. أحيانًا تستحضر نانسي مزاج التسعينيات، وأحيانًا تدخل إلى مناطق صوتية جديدة وجريئة. لكن هل استطاعت نانسي أن تفاجئ جمهورها وتضيف فصلًا لافتًا إلى مسيرتها الطويلة؟
فريق بيلبورد عربية استمع للألبوم مرارًا، وركز في أسلوب صناعة أغنياته من جوانب عدّة: الكلمات، الألحان، الأداء، الإنتاج، والقدرة على البقاء في الذاكرة، ليضع لكم تصنيفًا لجميع الأغاني من الأضعف إلى الأقوى. تعرفوا عليها فيما يلي:
لغة الحب
"بكرهك دي يعني بحبك/ مش عايزاك يعني انت حياتي/ ابعد عني يعني افضل معايا/ دي لغة الحب عند البنات" أغنية أخرى يكتبها رجل ليخبرنا مشاعر المرأة وكأنه خبير بها. ولا نعلم كيف توصّل الشاعر هنا إلى ادعاء أن الفتيات يقلن عكس ما يشعرن دومًا، بل ويعممها على جميع النساء كأنها حقيقة مطلقة.
وبكل الأحوال وأيًا كانت فكرة الأغنية، فالتراكيب اللغوية كانت عادية جدًا، إلى درجة لا تتيح للحن أن يكون مبتكرًا أو ينقل حالة انفعالية معينة. ووسط ألبوم مليء بالأغاني الجذابة، تبدو هذه الأغنية الحلقة الأضعف.
غيرانين
في أغنية "غيرانين"، تواصل نانسي عجرم تقديم صورتها الرومانسية المحببة، بالغناء عن ثنائي يواجه العالم بالحُب. الكلمات التي كتبها ولحّنها نبيل خوري تنطلق من فكرة تقليدية عن الغيرة: "الناس لا تطيق فرحنا"؛ فكرة مألوفة وتعابير نكررها في الحياة اليومية في مجتمعاتنا، حين نشعر أن سعادتنا قد تثير غيظ الآخرين.
تؤدي نانسي عجرم الأغنية بحيوية بمرافقة إيقاع راقص خفيف يتماشى مع المزاج الإيجابي للكلمات، وتبرع في إيصال نغمة الثقة العاطفية. غير أن الأغنية، رغم تماسكها تقنيًا، تمر دون أن تترك أثرًا فعليًا، فلا تعلق في الذاكرة.
جاني بالليل
تعتمد "جاني بالليل" على أجواء حالمة وناعمة، مبنية على حضور الحبيب كحالة شعورية خافتة. ليصوّر تامر حسين بكلماته لقاء ليلي وحنين يمتد حتى الأحلام. اللحن الذي يحمل توقيع عزيز الشافعي يسير بخط واحد، دون منعطفات، مدعوم بتوزيع طارق مدكور الذي يحافظ على مزاج هادئ ومريح، فتؤدي الأغنية غرضها كمساحة هادئة داخل الألبوم.
انسى
سبق لنانسي عجرم أن قدّمت أغاني درامية بتوزيعات روك، مثل "إنت إيه". لكن "إنسى" تأتي كتجربة أكثر تطورًا في هذه الجنرا من حيث التوزيع الموسيقي.
الأغنية من كلمات وألحان سليم عسّاف وتوزيع باسم رزق. تأتي الكلمات واقعية وبسيطة للغاية ومليئة بالفراغات، لكن اللحن يرممها ويترجم الألم الداخلي، ويتوج الأغنية صولو الجيتار الكهربائي في النهاية، الذي يبدو كانفجار للمشاعر المتراكمة؛ لتنجح الأغنية بتقديم حالة شعورية خاصة، وبصوت خافت يترك أثرًا كبيرًا خلفه.
أنا هفضل أغني
أغنية لطيفة هاربة من التسعينيات. عناصرها متناسقة بشكل مثالي، ربما لأنها مبنية على فكرة واضحة وبسيطة: الغناء مستمر إلى أن يتم الإيقاع بالهدف "هأفضل أغني لحد ما تيجي وترقص جنبي"؛ فالغناء هنا وسيلة للضغط والزن والإغراء ولفت الانتباه. يتم ترجمة هذه الفكرة بالكلمات واللحن، من خلال الاعتماد على التكرار المستمر حتى تلاشي الصوت في نهاية الأغنية، ويأتي التوزيع الموسيقي التسعيناتي لطارق مدكور ليزيد الأغنية جاذبية. ما يلفت الانتباه بهذه الأغنية أن الكلمات تصبح أكثر جاذبية في الكوبليهات الأخيرة، التي تتحرر فيها اللغة من المفردات المألوفة والمستهلكة في الأغاني العربية وتستخدم عبارات أكثر جرأة، مثل: "حبيبي شاهد قبل الحذف/ هغني وأدلع فيك".
بدي قول بحبك
نرى نانسي بفستان أبيض، تشير إلى خاتم زواج بيدها، وتغني بهدوء "بدي قول بحبك قدام العالم كلو"، لتقدم لنا نسختها الخاصة من أغاني الزفاف الرومانسية، لتنضم لقائمة الأغاني المشابهة التي قدّمها النجوم خلال صيف العام الحالي. لكن التميز، هو أن نسخة نانسي تتخللها وصلات صولو الجيتار الكهربائي، لتبدو أقرب للسوفت روك، وتناسب رقصة السلو في حفلات الأعراس.
طراوة
تبدو الأغنية عادية في البداية ثم تتابع جملها بجاذبية متصاعدة. في اللازمة تغني "هات سعادة ورش" فنشعر بإيجابية غامرة وطاقة عالية وكله تمام. ثم ننتقل إلى المقطع الثاني فتغني نانسي: "إنتا يا لولو يا لولو يا لولو ولا حد تاني/ الليل بطولو بطولو بطولو بسمع أغاني" فنشعر وكأننا نسمع اغنية فيلم موسيقي مصري ستيناتي بطلته سعاد حسني، حيث الدلع والخفة والتمكن الصوتي تسير كلها جنبًا إلى جنب.
على علمي
كثيرة هي الأغاني التي تتمحور حول الغيرة، ولكن لم يسبق تقديم الموضوع من هذه الزاوية. ففي أغنية "على علمي"، التي كتب كلماتها جيلبرت أبي ناصيف ولحّنها ريان بورجي ووزعها باسم رزق، لا تشكو نانسي عجرم من نار الغيرة ولا ترصد آثارها السلبية على العلاقة العاطفية، بل على العكس تمامًا، تبدو وكأنها تتلذذ بغيرة الحبيب وتتعمد إثارة شكوكه وغيرته، مع انتقاء ذكي للمفردات: "صح إني مش ملاك".
في المقطع الثاني تقوم نانسي عجرم بالتصعيد وتتعمد الاستفزاز مع توصيف غيرة الطرف الآخر بأنها حالة مرضية وانتقاء مفردات طفولية: "أنا لو بقعد وحدي بالبيت/ ما بستغرب عادي تغار من الحيط". ويأتي التوزيع الموسيقي ليعزز الحالة، ولاسيما في الدقيقة الأخيرة، عندما يتبدل الإيقاع لتكرر نانسي عجرم اللازمة مع ضربات الدربكة، فتبدو أكثر تلذذًا بغيرة الآخر.
أنا تبعني؟
الأغنية التي كتبها تامر حسين ولحنها وليد سعد أغنية مثالية! وكان يمكن لها أن تتصدر قائمتنا وتحتل المركز الأول، لولا أنها جاءت مألوفة أكثر من اللازم. نشعر أنها سمعناها من قبل، ونصرّ على التذكر فلا نفلح. تذكرنا بهيتات لوائل جسار وإليسا، بل وحتى لنانسي نفسها، فنشعر أننا عدنا لأغانيها الدرامية القديمة مثل "إنتا إيه".
لكن هذه اللمسة الدرامية الوحيدة في الألبوم، وهذه العودة لنانسي القديمة، تثير المشاعر على وجه خاص، وتدخلنا في حالة عاطفية مختلفة، وتضع الأغنية في مكانة مميزة نشعر معها أن الأغنية قد تعيش عمرًا أطول من معظم أغاني الألبوم في ذاكرة الناس.
يا قلبو
لعلها الأغنية الأخف والأقرب للقلب من بين أغاني الألبوم، فهي تقدم جرعة محسوبة من الدلع، تجعلك تبتسم وأنت تتذكر كم يمكن أن يكون الحب بسيطًا.
يخدم الإيقاع الشعبي المرح في الأغنية أداء نانسي عجرم الرقيق، وهي تغني بنبرة فيها عتب مغطّى بالأنوثة، وعند ترديدها "يا قلبو"، يظهر مزاج لبناني رقيق، يضيف طبقة شعورية صادقة وسط الكلمات التي صاغها مصطفى حدوتة باللهجة المصرية.
الكلمات رغم بساطتها، تنقل مشاعر مركّبة: تكرار التودد والصبر والإهمال العاطفي: "ضحك وضحكتلو/ سهر وسهرتله"، لتشير بلغة بسيطة إلى علاقة غير متكافئة، فيها امرأة تمنح كل شيء، دون أن تشعر بأنها مرئية، وتحاول أن تنتصر على هذا الشعور بالدلع.
سيدي يا سيدي
التقت بيلبورد عربية بالشاعر الغنائي مصطفى حدوتة قبل أيام، وسط زخم صيفه المزدحم بالتعامل مع النجوم. قدّم أغاني لألبوم عمرو دياب وألبوم أصالة نصري وألبوم لطيفة، وغيرهم الكثير. لكن حين سألناه عن الأغنية التي توقع أن تضرب على وجه الخصوص، أخبرنا عن أغنية "سيدي يا سيدي"، ذاكرًا أنها تختلف عن كل ما قدّمته نانسي قبل الآن. وكان تقديره محقًا.
قد تبدو الأغنية للمستمع إنسيابية وسهلة وتعلق في الرأس مباشرة، لكنها أغنية صعبة على المؤدي لسرعتها واتصال جملها اللحنية ببعضها.
لم نسمع قبلًا في مسيرة نانسي هكذا نوع من الألحان التي وضعها عطار، ووزعها المنتج الموسيقي المغربي جلال الحمداوي، لتجمع الروح الشعبية، مع اللمسات العصرية والإيقاعات الإلكترونية السريعة وتأثيرات موسيقية من ثقافات مختلفة. تزخر التوزيعات لمحات خاصة من الناي بين المقاطع واللازمة، وتنتقل نانسي بالأداء من عبارة "سيدي يا سيدي" المستمدة من التراث الشعبي، إلى عبارة "بيبي يا بيبي" التي تلفظها بدلعها المعتاد فتأخذ الأغنية إلى بعد مختلف.
خيار جريء من نانسي، نجح في إحداث كل الفرق ضمن أغاني الألبوم.